د.ثريا العريض
كثيرًا ما يقارن المواطنون أوضاعهم بأوضاع أشقائنا في دول مجلس التعاون، الذين نشبههم في التفاصيل، ما عدا مستوى رضى المواطن عن أوضاعه الثقافية والاقتصادية والسكنية.
قد لا يكون من العدل أو المنطق إجراء مثل هذه المقارنات، حتى لو تساوت دخول الدول ماديًا. حيث مع الفرق الشاسع في المساحة وعدد السكان وعدد المدن والمراكز الحضرية لا بد أن تتفوق الدول الصغيرة المساحة والقليلة المدن على تلك التي تكتظ مدنها الكثيرة بالسكان.
ومع هذا فالمواطن لا يملك إلا أن يشعر بمعاناته مع خصوصية أوضاعنا جغرافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وفكريًا، ويحاول أن يجد حلاً لها بما يستطيع، فيجد التحديات أكبر من إمكانات تصرفه ويشعر بالغبن والحنق. وفي الغضب والحنق يتآكل الشعور بالرضى والفخر بالانتماء، وقد يتدهور إلى الإحباط.
من حيث الأوضاع الاجتماعية والثقافية، يكفي سؤال ملايين المسافرين لقضاء إجازاتهم في الخارج - حتى القصيرة منها في دول الجوار- لتوضيح أن بيئة المجتمع وأعرافه الضاغطة تلجئ معظم المواطنين إلى السفر للخارج للاستمتاع بإجازاتهم العائلية بعيدًا عن فرضيات الحواجز بين الجنسين التي تحرم العائلة من الاستمتاع بترفيهها معًا. وليسوا كلهم من الأثرياء بل الكثير منهم يتحمل تكلفة السفر والإقامة في الفنادق ويعاني من ذلك ماديًا. وللحق الهيئة العامة للسياحة والتراث تبذل جهدها في تصحيح هذا الوضع. ومن الواضح أن تخفيف الضغوط التي تحرم العوائل من السياحة الداخلية إضافة إلى التوسع في توفير متطلبات الترفيه سيشجع الكثيرين على استبدال السفر باكتشاف مناطق الوطن.
والتفاوت ليس فقط في ترف السياحة والترفيه، أو في مقارنة وجوم مدننا ببهجة الخارج. متطلبات تنمية المناطق تحتاج إلى مشروعات نمو عام تتعدى منشآت البنى التحتية. وهي تتزايد في كل المناطق. هناك تفاوت أخطر بين المدن والمناطق داخليًا. وما نراه ليس تنمية متوازنة للمناطق المتعددة، بل تركيز على مشروعات تتمدد بها المدن الكبرى في محاولة غير ناجعة لمواكبة متطلبات الأعداد المتزايدة من المهاجرين من أبناء المناطق الأخرى المحدودة الفرص إلى المدن المركزية في سبيل فرص العمل، والخدمات التي يحتاجونها من إسكان ومؤسسات صحية وإدارية، وشبكات ماء وكهرباء وصرف، ومواصلات خاصة وعامة.
ما نحتاجه هو التحول عن الاستمرار في تمدد مدن بعينها، إلى تنسيق شمولي لنمو كل المناطق في إطار تنمية وطنية. والأساس في ذلك هو تقليص مشروعات التمدد القائمة.. والتوسع في تنمية المناطق خاصة النائية، ومؤسسات الخدمات فيها، وأولها التعليم حتى التخصص والإسكان والصحة، وتوفير فرص العمل المجزي.
وهذا يتطلب إستراتيجية التوقف عن تقبل حلول الهجرة للدراسة أو للعمل، والتركيز على استقرار أسر وأبناء المناطق بتوفير فرص التخصص الدراسي المهني محليًا، ثم البقاء للعمل في مناطقهم.
هنا يأتي الدور المهم للتعليم العالي كأساس لهذا المشروع الوطني الجاد؛ بحيث يتحول هدفه ومؤشراته من الفخر بتراكم عددي كما تعودنا حتى الآن، إلى التركيز على المردود الفعلي من الجامعات عبر تقليص التعليم النظري والتوسع في التخصصات والمهارات المهنية المطلوبة للتوظيف في القطاعين العام والخاص وتقديم الخدمات للعموم.
التعليم الذي يؤدي فقط لتأهيل خريجين بشهادات تمنحهم حق تسلّم راتب خريج جامعي من أهم أسباب عدم الاستقرار وتراجع الرضى والإحباط بين الشباب. كون الجامعات مسؤولية جهة مركزية حكومية كوزارة ما، أو مسؤولة عن قراراتها الفردية كمؤسسات منفصلة، لا يلغي أن التعليم والتخصص يلعب دورًا مهمًا في توجيه الطالب وتعديل ثقافة الممارسة المجتمعية، وبالتالي النتائج الاقتصادية والرضى العام للفرد والمجتمع. وبذا نبني الانتماء.