د. خيرية السقاف
«أكيرا أماري» وزير الاقتصاد الياباني لم تشفع له منجزاته العملية في قضايا خدمت إنعاش اقتصاد بلاده اليابان، وأخرى عززت شراكتها الاستراتيجية في التجارة الحرة عبر المحيط الهادي التي أبرمها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعشر دول مهمة على المحيط مؤخراً،
أجل لم تشفع له وظيفته المرموقة، وحصانته الديبلوماسية والوظيفية من أن يقدم استقالته ودموعه تتهاطل إثر اتهامه باستلام «عمولة» من إحدى الشركات نظير امتيازات قدمتها وزارته لها..
« أكيرا» أمام الجمهور وبكل أريحية ومع بالغ الحزن تنحّى عن منصبه بمجرد أن زعمت هذا مجلة «شوكان بونشون»..
لأنّ أبجدية المسؤولية مقنّنة، ولأنّ الثقة حين تختل ولو في سطور مجلة، فإنّ «الوزير» لابد أن يخلي مقعده هناك،
فما بالنا هنا في العالم العربي الشاسع، بمن هم أقل منه منصباً ممن يؤتمنون في أعمالهم، فيخونون «بالرشوة» أي «بالعمولة» أوطانهم..؟!
هذا النموذج الذي يقدم استقالته علناً وهو يبكي، هو في اليابان،
وكذلك تقوم كل الشخصيات التي تحوم حولها ولو إشاعة بمثل ما فعل هناك..
ولأنّ وكالات الأنباء وصحف العالم قد نشرت الخبر، وقرأه الناس في أصقاع الأرض،
فما رأي المتورطين من المسؤولين في العالم العربي بقبض «عمولات» باهظة يحسبونها هدايا مباحة يجيزها لهم في أعراف «تبادل المصلحة» امتلاكهم القرار؟!!
بينما في مقياس الأمانة، وفي ضوابط أخلاق المهنة من مواجهتهم لا فرار..!
هؤلاء المتورطون من تجد منجزاتهم تُحصد نتائجها على العيان في خلل البنى التحتية المتهالكة، وفي الموارد المالية المبددة، وفي المفاسد الشاملة التي لا حصر لها، وفي جانب آخر لكنه يتواتر معها، تجدهم تتفاقم أرصدتهم، وتتضخم أوداجهم، فيما أبوابهم تغلق، وأحذيتهم تُلمع..؟!
هؤلاء من تهالكت دولهم بأفعالهم، وباءت نتائجهم للخراب في مجتمعاتهم..
هم من تحصد بلدانهم الآن نتائج غشهم، وفساد نهجهم، ومغبة أطماعهم، هؤلاء الذين هم في رأس مسؤولياتهم، إلى من هم في سفوحها..
ونحن كذلك، لدينا منهم أولئك الذين حصرتهم الأنظمة في زاوية، لن يفروا منها،
هم يواجهون الآن المكاشفة، والمساءلة النظامية بعد ظهور نتائج الخلل في أعمالهم،
هؤلاء أخذت في مجتمعنا مقاييس المساءلة، ونواميس النزاهة، وسبل القضاء على المفاسد تحصدهم، ومن ثم تواجههم، ومن ثم تعاقبهم..؟!
كذلك المجتمعات العربية، حين تنهض فيها ضمائر يقظة في نفس كل ذي مسؤولية فيها،
ويدرك كل متراخ عن مسؤوليته باختلافها، وباختلاف أشكال الفساد الذي يحدثه حتى إن لم يكن قبول عمولة ما، بل أي أمر مفسد آخر، فإنها ستضع قدمها على المسار الصحيح...!!
وإن لم تفعل ، أفلا يكون هؤلاء شجعاناً يتمتعون بمثل ما تمتع به الوزير الياباني من تطهير شجاعته..؟!
فما مهلكة العرب، وخلل مجتمعاتهم إلا فسادهم في أداء مسؤولياتهم، وتراخي ضمائرهم.
وحين يضعون أطراف أقدامهم على المسار الصحيح، فإنّ مجتمعاتهم سوف تتخطى أزماتها، واختناقاتها، وفوضاها العارمة.