د. عبدالرحمن الشلاش
في الوقت الذي تسعى فيه الدولة لترشيد الإنفاق الاجتماعي بتطبيقها إجراءات في محاولة للحد من الإسراف والاستهلاك الجائر لبعض الخدمات، شاهدنا في الأسابيع الماضية تصرفات مسيئة للشعب السعودي. تتواصل هذه التصرفات حتى اليوم وما لم تردع بقوة وصرامة فستتوسع الدائرة إلى الحد الذي لا يمكن السيطرة عليه. قتل هذا الجنون في مهده هو الحل قبل أن نشاهد صغار السن قد سلكوا طريق الجهال.
الهياط مصطلح شعبي يطلق على من تجاوز الحدود ببذخ أو إسراف، أو حتى بالكلام مثل ادعاء القوة والشجاعة والكرم رغم أنه لا يملك أياً منها. الكرم له حدوده والموضع الذي يوضع فيه. لا يمكن أن نسمي صب دهن العود الملكي بدلاً من الصابون على أيدي الضيوف مهما بلغت قيمتهم كرماً بل إسرافٌ وتبذيرٌ وفشخرة وهياط ممقوت يدل على صغر تلك العقول وضيق أفقها، كما يدل على سوء التفكير وعدم إدراك العواقب والنتائج على مجتمع بأكمله خاصة وأننا نعيش عصر التواصل من خلال المواقع الاجتماعية، فتلك المقاطع تجد طريقها للملايين خلال ثوانٍ معدودة. صحيح أن كثيرين سيتلقونها بالسخرية والاستهجان لكن هناك ضعاف عقول وفارغين عاطلين قد يجدون في مثل هذه التصرفات فرصة للتقليد والمحاكاة.
شاهدنا عدداً من المقاطع الخادشة للذوق العام من أشكال الهياط والنفخة الكذابة. أحدهم جمع أكوام الحطب ورصه كأنه جبل ثم مد طرف الإشعال حيث يجلس الضيف المحتفى به الذي تولى بنفسه إشعال النيران وسط صيحات الحضور! هذه الحركة جديدة لذلك سيتأثر بها كثيرون من عشاق الإثارة. ماذا نسمي حركة أحدهم وهو يصب السمن البري غالي الثمن على يد أحد الضيوف وكأنه يبالغ في إكرامه؟! وما علم أن هذا التصرف يخرج عن نطاق المبالغة إلى اللا معقول!
كنا نعتقد أن الهياط الاجتماعي ما زال محصوراً في المبالغات المستهجنة في بعض حفلات الزفاف، وفي لبس البشوت الغالية الثمن، وفي نقل السيارات الفارهة إلى أماكن السياحة في أوروبا وأمريكا، وكنا نتوقع أن تلك المبالغات لا تتعدى تلك الموائد الممدودة على مسافة تقاس بمئات الأمتار تزخر بأطايب الطعام التي تغذي قرى بأكملها وبإمكانها معالجة مشكلات الجوع ونقص الأغذية في العالم. كثير من أنواع الإسراف والتبذير تضاءلت أمام المد الجديد. تصرفات لا تحتمل. صحيح أنه لا يمكن تصنيف تلك التصرفات المتخلفة أنها ظاهرة بقدر ما هي تصرفات فردية تعبر عن عقول فارغة لم تقدر هذه النعم العظيمة حق قدرها ولم تشكر الله عليها لذلك فهي بحاجة لمن يعيدها لرشدها. عندما ارتفعت أسعار بعض الخدمات بنسب بسيطة جن جنونهم لكن الهياط لديهم أمر عادي وكأنهم يملكون خزائن قارون. ازدواجية في المعايير تعبر عن أمراض اجتماعية تحتاج لعلاج ناجع وعاجل قبل أن يستفحل. تصوروا واحداً يغير اسم ابنه ليسميه على اسم شخص وصفه بأنه رجل عظيم! وهناك من ابتدعوا ما وصفوه بـ»السماوة» عندما يولد لأحدهم ولد ويسميه باسم فيقوم كل من يحملون هذا الاسم من الأقارب والمحيطين بتقديم المبالغ الطائلة والهدايا!
أسعدني قرار تطبيق العقوبات على المهايطية وأتمنى أن يكون عاجلاً لتختفي هذه التصرفات التي تسيء لنا أمام العالم وتقدمنا بغير صورتنا الحقيقية الناصعة.