ميسون أبو بكر
قبل أن أعرف المقر الرئيسي للهيئة العامة للسياحة والآثار كمبنى في مكان حيوي في حي السفارات بالرياض يضم طاقم الهيئة وموظفيها ومكاتبها الإدارية ومقر ورش العمل، كنت تعرّفت إلى نشاطاتها المختلفة في عدد من المناطق والمحافظات والعالم مثل مهرجان تراثي هنا وقطع عابرة للقارات هناك، ومشاركة في المهرجانات الدولية وتنقيب وترميم هناك، وبعثات أثرية وشراكات مع جهات حكومية وأهلية، وقرى تراثية ثم مناطق سجلت على لائحة التراث العالمي باليونسكو وشهدت نشاطات كثيرة استطاعت من خلالها أن تكون جسراً بين حاضرها وأصالة الماضي الذي ينبض في جنباتها.
جملتان تقرعان أجراسهما داخلي ولا تغادران، سجلات الذاكرة أبدا هما لرئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان تختصران.
كل ما يمكن أن يقال؛ «المواطن هو الحارس الأول لآثار وطنه»، وفي هذه الجملة يتعاظم الإحساس بالوطنية والانتماء والمسؤولية الفردية تجاه مكتسبات الوطن من قبل المعنيّ الأول ابن هذا الوطن، والجملة الثانية؛ «سنخرج الآثار من حفرة الآثار»، وقد استطاع رائد الفضاء أن يجعل من وطنه فضاء يحلق في سمائه ويحقق رسالة عظيمة على أرضه خرجت للعالم عابرة للقارات.. فقد بدأت رحلة آلاف القطع الآثرية في متحف اللوفر في باريس إلى برلين ثم إسبانيا فالأرميتاج في روسيا إلى القارة الأمريكية في ثلاث ولايات، لتكون رسالة للعالم تضاف إلى حضور المملكة في المشهد العالمي كثقل سياسي واقتصاديّ ثم حضارىّ يحكي قصة حضارات متعددة مرت على أرضها وتركت إرثاً كبيراً، ها هو اليوم فرجة للناظرين.
هيئة السياحة والآثار التي مر قبل أيام على تأسيسها خمسة عشر عاماً لتكون ثمرة كل الجهود التي سبقتها وكل الإنجازات التي تحققت منذ تأسيسها، فإننا نجد أثر إنجازها في كل منطقة وقرية تتنفس التراث في بلادنا رجال ألمع شاهداً على ما تحقق ومدائن صالح والدرعية التاريخية وجبة في حائل وجدة التاريخية والمتاحف التاريخية المفتوحة وحضور أصحاب الحرف اليدوية في المهرجانات المتعددة، ألوان من الماضي تطرّز حضورها في مشهد جميل، وتوثق تاريخاً مضى لإنسان رحل وما رحل أثره ، لتكون هذه البلاد ليس فحسب قبلة للحرمين الشريفين، بل لقلوب غواها التاريخ والحضارات والآثار التي هي شاهد على ماض وثيق الصِّلة بإنسان هذه الأرض.
لا بغيب عنا مهرجان جدة التاريخية وزائروها بمئات الآلاف، جدة التي رسمت ملامح الماضي وكيف كانت وتفاصيل الزمن القديم التي حضرت في المتاجر والأزياء والأطعمة والحرف، رقصت قلوبنا وهي تعود للماضي الحميم الذي كانت المشربيات والبيوت القديمة مسرحاً له، كنا كثير من القرى والمناطق ستحضر بتراثها من خلال مهرجان التراث القادم على الأبواب «الجنادرية».
لكن السؤال الذي يطرح نفسه في خضم ما تشهد المنطقة والعالم من أزمة انخفاض أسعار النفط والتوجه للاعتماد على مصادر أخرى: أليست السياحة التراثية والأثرية يمكنها أن تشكل مورداً اقتصادياً هاماً للمملكة إن نظمت بشكل جيد ضمن ثوابت المملكة وأنظمتها؟.
فلا تملك البلاد العالمية السياحية أقل القليل مما تملك أرضنا من كنوز وقرى تراثية ومتاحف مفتوحة، الملايين في العالم ينتظرون تأشيرة دخول لزيارة حضارة هذه البلاد، وإنسان هذه الأرض كفيل أن يقدم ألواناً من الحرف والفلكلور للضيف السائح.
القطع التي عبرت القارات وأذهلت العالم يمكنها أن تجدب السائحين أيضا حيث تنتمي في مسرح تاريخها ومقر اكتشافها. مشروع ما بعد العمرة الذي عرفت عنه من خلال استضافتي للدكتور أحمد الزيلعي في برنامج «عين ثالثة» على القناة السعودية هو مشروع جميل لضيوف بيت الله بعد أدائهم عمرتهم لزيارة الأماكن الأثرية والسياحية وسيكون مصدراً وعائداً مالياً مهماً.
هذه الأرض تستحق الاحتفاء بمجدها وتستحق الحضور عالمياً في مشهد تاريخي حافل يكون مرآة لماضيها عبر العصور.
من آخر البحر
أيها الزمن الكهل
كفّ عن التهام انوثتي
فلن أفك ضفائري لجليدك
ولن أترك جسدي تربة سهلة لمعاولك
سأتكور كالشرنقة على غصن قلبه
ليسري ريقه في أوردتي
وأتحول لفراشة في ربيعه