ميسون أبو بكر
حين تأخذك بوصلة القلب إلى حدائق الشعر.. وقصور التراث.. ومعاقل المتنبي والخنساء وبني أمية حتى منابر القصيدة الحديثة مرورًا بمحمود درويش.. فأنت إذًا في فضاء الشارقة الشعري.. وحين تظللك غيمات الشتاء الخجول وبعض رذاذ المطر الذي تهبك السماء ترحيبًا بك.. ونسمات تداهمك من جهات البحر الذي يسور المدينة الغافية على أهدابه فاعلم أنك على أرض الشارقة، وحين تحفل أيامك بين فعالية مسرحية وأخرى شعرية وثالثة أدبية وأخرى بصرية وأخرى وأخرى.. فأنت إذا بأحضان مشهدها المتنوع تلاحق فراشات الحرف وتسعد بحدائق اللون وتحلق حتى آخر فضاء يحملك إلى لحظات الانتشاء بما يسمو بروحك وفكرك وذائقتك.
للشارقة نوافذ مشرعة مع فكر من يسكنها ومن يمرّ بها حاملاً حقائب الشعر والفن، وقد كان لنا قبل أيام موعد مع الشارقة في مهرجانها السنوي للشعر العربي الذي عودنا حاكمها الشيخ الدكتور سلطان القاسمي أن يكلله بحضوره وصحبة الشعراء ورفقة الكلمة.
لهذا الرجل الفكر والإنسان المثقف صدى في قلوب الشعراء والمسرحيين والأثريين وكل من يشارك الشارقة أعراسها الدائمة التي ليس لها موسم محدد، بل بين أصبوحة ومساء يتنوع مشهدها ويثري الحضور والمشاركون المكان، وفي مهرجان الشارقة للشعر قضية الإنسان وعذابات الشعوب المنكوبة كانت هي القصيدة الرئيسة التي اجتمع عليها الشعراء، وتفرقت أشكال القصيدة وأدواتها وأصواتها.
مهرجان الشارقة للشعر جمع الشعراء من بقاع الأرض المختلفة على بساط واحد وخلف منبر يعتليه شاعر حمل أوراقه وأحلامه وأحزانه ليسكب صوته رقراقًا كنهر جارٍ على مسامع الحاضرين.. وهادرًا تارة أخرى كزئير الدبابات التي لا نفتك نراها على شاشات الأخبار كل لحظة موت يعاني منعًا إنسان سوريا وفلسطين والعراق واليمن والأوطان التي تحاول إيران والإرهاب وأعوانهما اغتصاب أمنها وأهلها. وإن حان ليل الشارقة وانفض الشعراء من منبرها في قصر الشارقة للثقافة؛اجتمعوا يتعاكظون على ألحان أوتار العود الذي جمع المشاركين على أنغامه تحت خيمة ظللها الحب والإخوة والشعر مع رئيس بيت الشعر الشاعر القدير محمد البريكي في أمسيات حميمة لا تحمل الطابع الرسمي.
الشارقة نثرت أريجها وفتحت بيوت الشعر ضمن مشروعها الكبير في أماكن متفرقة من عالمنا العربي؛ في المفرق والقيروان وموريتانيا والأقصر، ولن يتوقف الحلم الحقيقة إلا أن عمرت الأرض ببيوت الشعر، والشعراء عادوا من جديد يرسمون بالحرف خريطة العالم الذي شوهته الدبابات وتحكم به جنرالات الحرب وأحزاب الشيطان.
في الشارقة بيت غنى للحب زائروه وللأوطان والإنسان وتغنوا بقلوبهم التي أنعشها الاحتفاء بها من الصغير والكبير، المسؤول وصاحب الدار لتمثل الشارقة بيتًا حميمًا للشعراء الذين جاءوا يحملون أوطانهم وأحلامهم وأحزانهم أيضًا في زوادة القصيدة.
سلامًا على الشارقة، وشيخها القاسميّ الجليل، ودائرة الثقافة والإعلام وبيت الشعر ومسارح التراث والفن، وعلى قصبائها الشامخة.. على نوارسها وأهلها الكرام الكرماء الذين غمرونا بقلوبهم العامرة بالمحبة والترحيب.
من آخر البحر:
الحب... كالفصول الأربعة
يورقُ
يتساقط
يجف
ويتجمد أحيانًا
وقد يمضي
لكنّ القلب يظل تربة صالحة لكل الفصول