أ. د.عثمان بن صالح العامر
قصيدة رائعة، عشرة أبيات جزلة أبدعها كعادته صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، طالبَ فيها أهله وأهلنا جميعاً في الخليج العربي أن «يتحزّموا»، فالمرحلة التي نمر بها من أصعب المراحل في تاريخ خليجنا العربي.
في البيت الأخير يؤكد الفيصل أنه على دراية وثقة مطلقة بأن الجميع - حكاماً ومحكومين - في جميع دول الخليج يتطلعون للمجد وينشدون عز الدار ومستعدون أن يقدموا أرواحهم ويهبوها من أجل أمن واستقرار وسلامة المنطقة، ولذا فهو في هذه القصيدة يحذّر وينذر، يذكّر ويخبر الكل بالظرف والحال التي نحن فيها، إذ إن هناك مشروعاً مطروحاً لتقسيم خريطتنا الخليجية، وما يجري على أرض الواقع اليوم هو محاولة جادة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من قِبل ما يُسمى بالدول الكبرى، والواجب إزاء هذا المشروع الخطير:
# أن نتحزَّم ببعضنا البعض فنكون يداً واحدة وصفاً متراصاً وبنياناً متكاملاً في وجه هذا المخطط المتفق عليه بين دول النفوذ إن صحت هذه التسمية.
# أن نترك التلاوم بيننا اليوم، فهو ليس وقت تلاوم، بل هو موجة وحرب دفاعاً عن النفس والأرض والمال والعرض.
# إن من الواجب أن نتجهز للمواجهة الفعلية مع أعداء المنطقة بلا استثناء حتى لا تلحق بنا الخيبة، وأن نتحزّم لقادم الأيام بكل ما نملك، وفي هذا استشراف للمستقبل برؤية الحذر الخائف، «فالمساء الذي نحن فيه ينذر بفجر العظايم» التي نسأل الله عز وجل أن يقينا شرها ويخرجنا منها سالمين.
# ألا تنطوي علينا ونصدق التطمينات التي نسمعها من قِبل ساسة وقادة الأعداء الذين نعرفهم جيداً ونعرف ألاعيبهم ومكرهم ومخادعتهم ومراوغتهم، فنحن أمة تعي الأحداث وتأخذ منها العبر والدروس والعظات، وتعرف التاريخ، وتجيد فن قراءة ما خلف السطور المكتوبة أو المنطوقة، وتفرّق بين صحيح القول ولحنه، {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، فالركون إلى الوعود المستقبلية من قِبل أعداء المنطقة هو بمثابة التخدير للعزائم والإضعاف للهمم وبعثرة الأوراق، ومن ثم الإجهاز على الدار حينها لا ينفع التلاوم ولا تجدي المناشدات.
# ألا نستهين بالعدو مدعي الخصومة، ونُعرض عمّا يقول، بل الواجب تفنيد أكاذيبه والرد عليه، إذ إن الكذب إذا تكرر على الأذن وصادف قلباً خاوياً وعقلاً منحازاً انجُذب إليه فصار مع الزمن قولاً مسلّماً به عند الغير.
# أن نهتم بإنشاء مراكز أبحاث متخصصة في الشأن السياسي والعسكري والاقتصادي والفكري والاجتماعي و...، فنحن أشد ما نكون حاجة للمشورة في ظل الظروف التي نمر بها والتحديات التي نواجهها والمكائد والتكالبات التي تحيط بنا، ولكن من الأهمية بمكان أن تُسند هذه المراكز ويديرها ويعمل بها شباب خليجي موثوق به ومعروف عنه حرصه وأمانته وصدقه ومحبته لأرض وطنه ومنطقته الخليجية، ولا يمنع من الاستعانة بالأصحاب بعد التأكد من شرط الولاء والنزاهة فالمستشار مؤتمن ورأيه مهم، فربما كان الضرر من حيث أردنا الخير - لا سمح الله -.
# أن نتعالى عن بعثرة المال وتركه في يد السفهاء الذين لا يحسنون التصرف فيه، وقد اختار الفيصل لهذا الصنف من الرجال لفظة «الهلايم» والرجل الهليم عند البدو هو: «سقط الرجال وأدناهم مرتبة».
# أن يوجه المال الخليجي للاستثمار في عقول النشء ليكون من بينهم القادة في كل ميدان، والكتّاب المنافحون عن أوطانهم، وكأن الفيصل هنا يومئ إلى أهمية هذين الصنفين من الرجال في هذا الوقت بالذات «القادة والكتّاب».
# أن ينبري الإعلام الخليجي خصوصاً أهل القلم وأصحاب الشأن لرد التهم التي توجه لنا في هذه المنطقة من قِبل المستأجرين المشهود لهم بالكذب، وعدم الاكتفاء بالقراءة أو السماع، وكأن الأمر لا يعنيهم لا من قريب أو بعيد، فالسكوت اليوم ليس من ذهب، بل الساكت عن الحق شيطان أخرس، ليس هذا فحسب بل لا بد أن نكون حذرين من أن نكتب ما قد يُوظف من قِبل العدو لضربنا في خواصرنا وبأيدينا لا بيد غيرنا، وعلى هذا فمن المجزوم به عند الفيصل أن الكلمة اليوم خطيرة جداً، والواجب أن ندرك دلالاتها ونعرف أبعادها ونتوقع أثرها قبل كتابتها أو التغريد بها أو إسماعها الغير عبر وسائل الإعلام المختلفة، إذ إن هناك عدواً يتربص بنا ويرصد علينا ما نبوح به صغاراً كنا أو كباراً، ومن ثم يُوظف ما يروق له ويتوافق مع مصالحه وتوجهاته للنيْل منا وضرب مقدساتنا ومسلّماتنا والإضرار بمقدراتنا وممتلكاتنا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
«دايم السيف» في حسه الشعري المرهف، وشعوره الوطني الدفّاق، وحدسه الفطري الفريد، يوجه هذه الصرخة المدوية في أفق خليجنا العربي وهو يحمل في نفسه مرارة ووجع اليوم وخوف ووجل المستقبل، وليس أبلغ من كلمة « تحزّموا» كلمة أفضل تُقال في هذا المقام.