د. عبدالرحمن الشلاش
أما وقد اتخذت المملكة العربية السعودية قرارها التاريخي بقطع علاقاتها مع إيران فإن القراءة في هذا المقال لن تكون لتحليل الأسباب فهي واضحة وضوح الشمس، ولن تكون القراءة أيضا لردود الأفعال الوقتية فمن الطبيعي أن يكون لمثل هذا القرار ردود أفعال متباينة في الداخل والخارج لما تمثله السعودية من ثقل على المستوى العالمي.
القراءة ستكون لمضامين القرار التاريخي، وبالذات ما حمله من رسائل واضحة ومباشرة وشفافة، وأول هذه الرسائل موجهة للنظام الإيراني نفسه تؤكد بأن المملكة العربية السعودية وهي الدولة المستقلة ذات السيادة الكاملة بسلطاتها التشريعية والقضائية والتنفيذية لم ولن تسمح لأي دولة أن تتدخل في شئونها الداخلية، وبقراراتها وخاصة الأحكام القضائية الصادرة بحق أي مواطن أو مقيم يخضع لأنظمة البلاد المرعية من الجميع، فما هو معلوم ومعروف أن أحكام القضاء العادلة لا تفرق بين مسلم وغير مسلم وبين سني وشيعي، ولا حتى بين أمير أو وزير أو مواطن من عموم المواطنين. كل من يقيم على أرض هذا الوطن يخضع ويمتثل لأنظمته وقوانينه ويحافظ على مقدراته ويدافع عنه بكل ما يملك ويقدم ما عليه من واجبات مقابل ما يحصل عليه من حقوق، أو على الأقل يكون منضبطا فلا يخل بالأمن ولا يحرض الغير ويقود التجمعات والمسيرات ويبني لنفسه سلطة مستقلة لا فرق في ذلك بين مواطن وآخر فلا علاقة للطائفة أو المنطقة بهذا الأمر، وبالتالي فعلى إيران وغيرها أن يفهموا بأن الحكم الصادر بحق نمر النمر السعودي الشيعي كان أيضا من ضمن 47 حكما صدرت بحق آخرين من الطائفة السنية سواء من القاعدة أو الدواعش وهم أيضا مواطنون سعوديون وكلهم مثلوا أمام القضاء العادل وصدرت الأحكام بحقهم جميعا فلم يكن لإيران وهي أيضا دولة القتل دون محاكمات ولمجموعة أيضا من أهل السنة أن تعترض وتتدخل فيما لا يعنيها من خلال البيانات والإساءات والبذاءات، ثم تتجاوز لتسمح بالاعتداء على سفارة المملكة من خلال الباسج الهمج الذين دمروا السفارة ونهبوا محتوياتها أمام العالم.
الرسالة أيضا تضمنت ثانيا تعبيرا سعوديا عن نفاد الصبر من تصرفات إيرانية مستمرة لم تضع أي اعتبارات للتعامل السعودي الراقي بل أسرفت في الاستفزاز والمضي في تنفيذ أجندتها بواسطة عملائها الذين غسلت أدمغتهم واستعدتهم على بلادهم ووظفتهم في التجسس والإرهاب والإخلال بالأمن، وبالتالي كان قرار قطع العلاقة، فالسعودية بحمد الله دولة قوية بمقدساتها ومقدراتها وإمكاناتها وثقلها في السياسة الدولية وحزم قيادتها في كل الأمور، وهي حين تتخذ قرار قطع العلاقات مع الدولة الفارسية فإنها تقول بأننا في السعودية لسنا بحاجة لإيران أو غيرها، وأن السعودية القوية ماضية في الوقوف أمام كل من يحاول الإخلال بأمنها واستقرارها.
الرسالة الثالثة لكل مواطن سعودي شيعي تعلق في حبال إيران الذائبة، وركض خلف وعودها البراقة بأن لا إيران ولا غيرها ستحميه من يد العدالة إن ارتكب جرما في حق وطنه وسيكون القصاص العادل بانتظاره، لذلك عليه أن يخلص لبلاده التي يعيش فيها ولها فضل عليه ويدعم أمنها واستقرارها والذي هو في النهاية أمن واستقرار سينعم به الجميع.