محمد بن عيسى الكنعان
كانت إيران في الخطاب الأمريكي إلى ما قبل غزو العراق العام 2003م؛ إحدى دول «محور الشر» الذي يضم إلى جانبها كوريا الشمالية والعراق. كما كانت في الخطاب الغربي عموماً وإلى عهد قريب «دولة خارجة على القانون». فما الذي تغير حتى أصبحت إيران اليوم محط أنظار الحكومات الغربية واهتمامها وعلى رأسها أمريكا؟ من حيث إنها دولة محورية في منطقة الشرق الأوسط، وبإمكانها أن تلعب دوراً في السلم العالمي واستقرار المنطقة. خاصةً بعد دخول الاتفاق النووي بين الغرب وإيران حيز التنفيذ، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها.
هل دور إيران في إسقاط نظام طالبان (السلفية) في أفغانستان العام 2001م؛ أسهم في تقريب المسافة بين الغربيين والإيرانيين، بعد أن تغاضت حكومة طهران عن طائرات «الشيطان الأكبر» وهي تمر بالأجواء الإيرانية لضرب قواعد طالبان. وهل دور إيران في رعاية المعارضة العراقية الشيعية، وتوجيه الفتوى السيستانية لصالح المشروع الأمريكي في العراق بعد غزوه العام 2003م وإسقاط نظام صدام (القومي)، قد أسهم فعلياً في اقتناع الأمريكان ومعهم الأوروبيين بأن ملالي طهران يمكن أن يكونوا حلفاء بالمنطقة أكثر من العرب، وعملاء أيضاً عن طريق ميليشياتهم المنتشرة في العراق وسوريا ولبنان.
الواقع يقول إن الأمريكان والغرب عموماً يُظهرون للعرب صداقتهم، ويؤكدون في كل مناسبة أن العلاقة مع الدول العربية استراتيجية، وأنهم ضد المشروع الصفوي في منطقة الشرق الأوسط. لكن الغرب نفسه يقول: السياسة لا تعرف الصداقات إنما المصالح؛ حتى لو كانت مع الشيطان، بدلالة أن الرئيس الإيراني روحاني قال إن شعار: (الموت لأمريكا) لا يعني الحرب أو العداوة. وقد برهن الغرب والأمريكيون على ذلك عندما سلموا العراق لإيران على طبق من ذهب، بعد أن جاءت المعارضة العراقية الشيعية من قم وطهران على ظهر الدبابة الأمريكية، وصدرت الفتوى السيستانية بمنع مقاومة المحتل الأمريكي، وتشجيع العملية السياسية الانتخابية في العراق الذي صار اليوم صفوياً.
مع ذلك ما زلنا نقول الغرب (الأمريكي والأوروبي) يريدنا وهو معنا ولا يريد الإيرانيين رغم أنه سلمهم العراق، ويتفرج اليوم على ميليشيات الحقد الشيعي العراقي (الحشد الشعبي) المدعومة من إيران، وهي تفتك بمدن العراق السنية من الرمادي حتى ديالى، بعد أن مارست تطهيراً عرقياً للسنة في بغداد. بل نقول إن الغرب (الأمريكي والأوروبي) مع العرب ودول الخليج ضد نظام بشار ونصدق ذلك، رغم أنه يرى دعم الحرس الثوري الإيراني لهذا النظام المجرم ومعه حزب الشيطان (حزب الله)، ويمنع الأسلحة عن الجيش الحر، ويصف كثير من فصائل المعارضة السورية المعتدلة بالإرهابية، ويسكت عن الروس الذين يقصفون هذه المعارضة ومعها الأبرياء في المدن السورية تحت كذبة محاربة تنظيم (داعش).
هذا الغرب أسقط نظام صدام الديكتاتوري بدون قرار من مجلس الأمن بغضون أشهر، ومنع إسقاط نظام الأسد الدموي الذي يقتل بالشعب السوري ويهجر ويعتقل منذ خمس سنوات، وكل العالم الحر الشريف ضده.
الغرب مارس حظراً اقتصادياً على العراق لسنوات حتى انعكس سلباً على المواطن العراقي دون أن يتأثر نظامه، بحجة أن هذا الحظر سيدفع الشعب العراقي إلى الثورة على صدام، واليوم يتفرج هذا الغرب على نظام الأسد، وهو يقتل ويعتقل ويهجر بالشعب السوري الذي قام بالثورة عليه، بل تشارك إيران وحزب الله في حصار مضايا والزبداني. لأجل تغيير التركيبة السكنية بالعراق وسوريا، مع دخول الألوف من الإيرانيين المدن العراقية السنية، والسورية لهذا الغرض الشيطاني.
حتى محاربة الإرهاب للغرب فيها ازدواجية عجيبة تصب في صالح إيران، يستنكرون تنفيذ أحكام قضائية في 47 إرهابياً بالمملكة، ويسكتون عن الإعدامات الإيرانية التي تجري على مدار الساعة ومنذ أعوام في حق السنة والشيعة من عرب الأحواز الأبرياء. فبعد كل هذا يأتي السؤال: هل قلب الغرب معنا ورصاصته مع الإيرانيين؟ أم أن الغرب وجد أن الملا الإيراني يصلح شرطياً للمنطقة حتى لو كان لابساً عمامة.