محمد بن عيسى الكنعان
أستعير هنا؛ ومن خلال عنوان المقال، العبارة الشهيرة للإعلامي المتميز عبدالله المديفر، التي كان يختم بها حواراته التلفزيونية مع ضيوفه، بقوله: (انقلوا عن ... أنه يقول...)، حيث كانت هذه العبارة تتضمن غالباً الفكرة المحورية لكل آراء الضيف، خاصةً إذا كان يتمتع بالمنطقية والموضوعية، وأفكاره مترابطة.
... وعليه؛ سأفترض أن روسيا هي الضيف الجديد في المشهد السوري، وحوارها سيكون حول تدخلها العسكري، فماذا ستقول من خلال تصريحاتها وممارساتها العملية؟ من يرصد كل تصاريح الروس وآرائهم السياسية بما يخص الأزمة السورية عقب قدومهم إلى سوريا، وسبب تدخلهم العسكري بهذا الحجم الكبير؛ يلحظ أنها ليست على منطق واحد، أو محددة برؤية واحدة، فهي تتباين وفق تعاطيها مع الأطراف الداخلين في الأزمة السورية، فهي تعطي العرب تبريرات التدخل، وتبعث برسائل محاربة الإرهاب للغرب، وتغازل الإيرانيين وشيعة العراق، وتحاول أن تجاري تركيا في مصالحها. غير أن الواقع يكشف خلاف كل ذلك.
فبعد إعلان الكرملين منح الرئيس بوتين تفويضاً بنشر قوات عسكرية في سوريا؛ قررت روسيا التدخل بقوة في الأزمة السورية، مؤكدةً أن ذلك يأتي تلبيةً للرئيس السوري بشار الأسد، الذي طلب مساعدة عسكرية عاجلة من موسكو. وبعد قدوم الروس تحول خطابهم على النغمة الغربية، بالزعم أن ذلك لمحاربة الإرهاب، لحماية روسيا من أية تهديدات تشكلها الجماعات الدينية، بل إن الرئيس بوتين دعا لتشكيل تحالف حقيقي (سوري، عراقي، إيراني، روسي) لأجل مكافحة الإرهاب.
على هذه الأرضية انتشر الروس في سوريا، ومن ثم بدأت أعمالهم العسكرية، حيث القاعدة الروسية البحرية في طرطوس، والقاعدة الجوية في حميميم بمطار باسل الأسد على الساحل السوري، إلى جانب بناء قاعدة جوية ضخمة في جنوب اللاذقية. ومن هذه المواقع إضافة إلى الأسطول الروسي في البحر الأسود بدأ القصف الروسي الموجه حسب الرواية الروسية نحو معاقل الإرهاب بضرب الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم (داعش). لكن الواقع يقول خلاف ذلك؛ فالقصف طال المعارضة السورية، التي تقاتل جيش بشار، كما استهدفت الغارات الروسية الجيش الحر ذاته. حتى قال الخارجية البريطانية أن القصف الروسي لم يتعرض لتنظيم (داعش) إلا بنسبة (5%)، فيما القصف يتواصل على مواقع المعارضة السورية في حاب وأدلب وحمص، حتى أن الطيران الروسي صار يقصف في جبل التركمان الذي لا يوجد فيه (داعش) أساساً، بل معارضة سورية مدعومة من تركيا، وهذا يفسر سر انتهاك الطيران الروسي للأجواء التركية بمحاذاة جبل التركمان حتى أسقطت تركيا إحدى الطائرات الروسية. بل إن القصف الروسي لم يتركز حتى على المقاتلين في المعارضة، إنما طال الأبرياء في الأسواق وعند المخابز، ومحطات الكهرباء في محاولة لكسر إرادة المعارضة. فضلاً عن فضيحة رجل الأعمال الروسي من أصل سوري الذي كان ينسق بيع النفط بين بشار و(داعش). مع ذلك انقلوا عن روسيا أنها تقول: «جئت لمحاربة الإرهاب المتمثل في داعش».