د. إبراهيم بن محمد الشتوي
أُعلن عن الفائزين بجائزة الملك فيصل، وفيها الفائزون بجائزة الملك الفيصل للغة والأدب، وهذا حديث يتكرر كل عام، إلا أن الأمر الجديد هو الفائزون فيها، فقد ذهبت الجائزة لأستاذين قديرين، أمدّا المكتبة العربية بعدد كبير من الدراسات الأدبية تتناول النصوص كما جاء في بيان الجائزة من وجهة نظر جديدة.
ونظرة سريعة إلى أعمال العلَمين تكشف الاتجاه الذي سارا فيه، فـ»ابن عبد المطلب» اتجهت أغلب دراساته نحو الأسلوبية، فكشف عن وجهها في التراث حيناً، وطبّقها حيناً آخر على بعض مجايليه، في حين أن «المفتاح» اتجه نحو التفسير والتحليل، والتأويل منذ كتابه الأول الذي سارت به الركبان وطار به «من غير جناح» حتى عانق زوايا الأقطار العربية الأربع، وهو تحليل الخطاب الشعري «إستراتيجية التّناص» وهو ما تأكد فيما تلا ذلك من دراسات.
الأمر الجامع بين هذين العلَمين أنهما يتبنيان وجهة النظر النقدية الجديدة، التي سُميت فيما بعد بـ»الحداثة»، فهما معاً يُعدان من روادها في الدرس النقدي العربي، ومن الذين ساهموا مساهمة فاعلة بتحويل تلك الطروحات النظرية إلى واقع ملموس، يعود إليهما من يرغب في الوقوف على الانعكاس الحقيقي لتلك المقولات النظرية على واقع الدرس الأدبي، وما يحدثه من فرق عن الدراسات البلاغية القديمة لمن لا يمكنه تصور هذا الفارق من خلال النظرية وحدها. فجاءت دراستهما صورة من صور تجسِّد ذلك الاتجاه في الدرس العربي، وإثباتاً لمقولة كم ترك الأول للآخر من شيء.
القاسم المشترك الآخر بينهما أنهما أكاديميان ينتسبان إلى بيئتين من بيئات الدرس الأكاديمي العربية العريقة، إحداهما بيئة أنجبت عدداً من النجباء الذين أمدوا ثقافتهم العربية بالعدد من الكتّاب والمفكرين أمثال: المراغي، وطه حسين، وغنيمي هلال، والأخرى بيئة ناهضة أثبتت إصرار أبنائها على رغبتهم الأكيدة في الضرب بسهمهم في حركة التنوير العربي، والاستفادة من الظرف التاريخي الذي مكّنهم من التواصل مع الثقافات الأخرى بتهجين تلك النظريات وتقديمها بصورة عربية قدر الإمكان كما هو حال الأمم الناهضة الطموح، فقدمت عدداً كبيراً من المؤلفات أصبحت بعد منهلاً ومنارات للدارسين والباحثين عنها يصدرون ولما فيها يتمثلون.
هذان العلَمان العالمِان، آمنا بالدرس الأكاديمي، وانصرفا إليه باهتمامهما، يضيئان بضوء عينيهما سماء الفكر العربي بمؤلفاتهما وكتبهما، آمنا أن المعركة مع التخلف والوعي هي معركة مع الجهل بالدرجة الأولى، ولذا ينبغي مواجهتها بالعلم الذي مكانه الجامعة، والدرس الأكاديمي الجاد بصمت ودأب بعيداً عن صخب الصحافة، ومعاركها التي لا تتجاوز الجدل البيزنطي العقيم الذي تضيع الحقيقة بقسطله، ولا يدري القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل. هذا الاتجاه الأكاديمي هو الجانب الإيجابي للحداثة التي كنت قد أشرت في مقالات سابقة لو أن الحداثة السعودية سارت فيه في أيامها الأولى لكانت استفادة المجتمع منها أكثر بكثير من أن تكون أداة لاستفزاز المجتمع وتحريك البؤر المحافظة بإيهامها أن هذا يهدد وجودها وهويتها حتى أصبحت حافزاً على نشأة اتجاه مضاد نحصد هذه الأيام نتائجه وتداعياته.