نقول الإسلام والمسلمون، ونفصل بينهما، فنقول في الدعاء: اللهم أعز الإسلام والمسلمين، فهل يمكن أن نفصل بين الإسلام والمسلمين؟ في حالة الفصل بينهما يمكن أن نعرف الإسلام بأنه ما جاء في حديث جبريل الطويل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم «الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا»، أو أنه جماع النصوص التي جاءت من عند الله أو من عند رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيها العقائد والأحكام، والآداب، في حين أن المسلمين هم الناس أو الأشخاص الذين يؤمنون بالإسلام.
على أن هذا الفصل لا يلبث أن يتحول إلى حالة جدلية عويصة الفهم، فهذه النصوص الكريمة، هي نصوص لغوية، اختلف الناس في فهمها في الزمن الأول، ولا تزال تثير في نفوسهم كثيرا من الأسئلة والتداخل، ولذا فإننا نربط أيضا بين هذه النصوص وبين الناس الذين تمثلوها في الزمن الأول، فنقول: «فعل السلف الصالح»، أونستشهد بالحديث الذي يبين قيمة هؤلاء السلف، فنقول: «هو ما كان عليه أنا وأصحابي»، أو «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»، وهنا يتحد الإسلام بالمسلمين ليصبح المسلمون هم الوسيلة الوحيدة لشرح النصوص وبيان معانيها، وتقديم نموذج تطبيقي لها باعتبار أن هذه النصوص هي مادة لغوية تختلف صورتها وانعكاسها باختلاف متلقيها، وشعوره النفسي.
وهذا يعني أن هذه النصوص وما تتضمنه من الأحكام، والنواهي لا وجود لها بمعزل عن الناس الذين يتمثلونها، ويطبقونها، فيحولونها إلى كوائن تمشي على الأرض، كما يحولونها إلى حقائق، لأن تلك النصوص لا تكتسب قيمتها، ولا مصداقيتها وواقعيتها إلا حين تتجسد في أناس أحياء، وعندها فقط يمكن أن يعول عليها، وأن تعتبر حقيقة واقعة. أما حين لا يعمل بها، فإنها تظل نصوصا نظرية تختلف حولها الأفهام، وتتعدد التطبيقات، أو تصبح نصوصا معطلة من القيمة مفرغة من محتواها.
وهنا يصبح الفصل أمرا غير دقيق، لا على المستوى التنظيري ولا على المستوى التطبيقي، ويصبح الحديث عن الإسلام الكامل الشامل الذي يحوي حاجات البشر في الدنيا والآخرة غير ممكن، خاصة حين يعود غير أهله إلى تلك النصوص التي تمثل الإسلام، ويجدون فيها الأمر بالقتال، وضرب الرقاب، وشد الوثاق، والقعود كل مرصد للمشركين، والوعيد الشديد لمخالفيه بالنار، والجحيم، والزقوم، والسعير. هذه الآيات تتجاور جنبا إلى جنب مع الرحمة والشفقة، والدعوة إلى البر، والإحسان، والعدل، والبعد عن الاستكبار والظلم والطغيان.
إن الناظر لهذه النصوص المختلفة المتجاورة لا يمكن أن يخرج بصورة واحدة عن الإسلام، واضحة، وهو ما يعني أنه لا يستغني بحال من الأحوال عن نموذج عملي يتمثل به الإسلام حتى يستطيع أن يجمع بين هذه النصوص ويرى حقيقتها. وفي هذه الحال نجد كثيرا من الذين يتحدثون عن الإسلام وروعته يختارون نماذج من التاريخ يقدمونهم بوصفهم النموذج الصادق الصحيح الكامل للإسلام فيتحدثون عن عمر بن الخطاب، أو علي بن أبي طالب، أوعمر بن عبد العزيز، أو غيرهم من الصحابة أصحاب المواقف الفردية.
ولكن للأسف، أن هذه النماذج الآن غير موجودة إلا في النادر، وإذا أردنا أن نعود إليها فليس أمامنا سوى كتب التاريخ التي تقدم صورة جيدة لكنها غير متاحة للجميع، وليست قريبة إلا لمن يحب قصص التاريخ، ويشعر بأن التاريخ يعيد نفسه، أما الذين يتلمسون الواقع، ويقيسون الأشياء على ما يبدو منها، فليس أمامهم سوى النماذج الحية من المسلمين لأجل أن يدركوا الإسلام، ويعرفوا حقيقته.
وبناء عليه فإننا –المسلمين- لا يمكن أن نعول على لعبة الفصل بين الإسلام والمسلمين في معرض الدفاع عن الإسلام، كما لا يمكن الحديث عن إسلام كامل، في ظل مسلمين متخلفين، متناحرين، يقتل بعضهم بعضا، ويشيع فيهم الفقر والجهل بالرغم من الإمكانيات التي يملكونها، ونظن أن الآخرين سيقتنعون بهذا الخطاب متجاوزين الحال الغير سار للذين يؤمنون به، طارحين سؤالا: إذا كان ما يقولونه صحيحا، فلماذا لم يستفيدوا منه؟.
ولا أدري على وجه التحديد ماذا يمكن أن يقال عن المسلمين اليوم، ولكن الأمر الأكيد أن أغلبهم ضعاف يسيطر عليهم الجهل، والتخلف، والفقر، ويشعرون بأنهم مستغلون، ومضطهدون كما يشعر بعضهم بمظلومية شديدة تقع عليهم، يجعلهم يحنقون على الأمم المتقدمة الغالبة التي يرونها السبب في ذلك أوهي الفاعل لذلك، ولكنهم لا يعلمون ما ينبغي أن يفعل تجاه ما يرونه أولا وما يحسونه ثانيا، فتأخذهم الحيرة كل مأخذ، ويندفعون في أعمال فردية خاطئة في جميع الأحوال، ويظن هؤلاء الغاضبون أنها قد تفيد شيئا في لعبة الأمم، وقد يجدون شيئا في القرآن الكريم يسوغ لهم أيضا ما يريدون أن يفعلوه، أو ينطلقون منه في تبني هذه الأفعال، وفي كل الأحو ال يستفيد منها الغالب في تحقيق أهدافه، وتسويغ مراده.
....
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهني الآن، أنه في ظل هذا الضعف الذي يعيشه المسلمون، والسؤال هنا للمتقدم المتطور الغالب، هل من المنطق أن تدنس مقداسات المسلمين، وأن تحتل ديارهم، أليس من سبيل في القرن الحادي والعشرين في ظل هذا التقدم الكبير والهائل فيما صنعته البشرية من نظريات، وصناعات أن يحقق هذا الإنسان الذكي غاياته بعيدا عن العنف، وسفك الدماء، وجوس الديار، هل يحق المتقدم الغالب بناء على ضعف المسلمين ألا يأبه لمقدساتهم، ولا يقيم لوجودهم قيمة؟
إن المسلمين، وإن كانوا ضعفاء، فهم – في الغالب- لا يحملون عداء تجاه أحد، ولا يحملون مشاعر سيئة للآخرين، وتغلب عليهم الطيبة، والكرم، وحسن المعشر، وقد ساهموا في بناء الحضارة الإنسانية، بل وأجزم أن ما حققه الإنسان على المستوى التمدن الاجتماعي يعود بجزء كبير إليهم، ودينهم يدعو إلى التسامح، والعدل، ومحاربة الظلم، وإلى مكارم الأخلاق، كما يعلي من قيمة العقل، ويحث على العلم، ويأمر بالطهارة، فما الذي يدعو إلى محاربتهم، والسخرية بمقدساتهم، واستفزاز عامتهم؟
صحيح أن هناك عددا من الأفكار التي قد تحمل في طياتها العداء للآخرين، وإقصائهم، ونفيهم من رحمة الله، والإذن بملاحقتهم، ولكنها أفكار قليلة، والعلماء مختلفون في تفسيرها، والوقوف عند دلالاتها وأحكامها، ويمكن أن يدور حوار علمي حولها، لكن هذه الأفكار لاتبرر بحال هذه الحالة الكبيرة من العداء تجاه الإسلام، والنظرة الدونية للمسلمين، والصورة النمطية للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين التي تقوم على التناحر، والقطيعة، والهجران وكأن الإسلام يمثل خطرا على أوربا، وهي نظرة منحدرة من القرون الوسطى إبان الحروب الصليبية، والمدونات التي تؤرخ لتلك الحقبة.
ولاشك أن تغيير النظرة للمسلمين من كونهم منافسين، وأعداء تقليديين وقعت معهم منافسات على كثير من الأماكن حول العالم إلى شركاء استراتيجيين، يمكن أن تسهم هذه الشراكة في عمارة العالم، والسعي به نحو الغاية المثلى، لا شك أن هذا سيغير معادلة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، والصورة الذهنية لدى الأوربيين حيال المسلمين ونبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وسيقطع الطريق على اتخاذ المتطرفين بعض نصوص الكتاب ذريعة في تحقيق ما يريدون، ونشر رؤيتهم المتطرفة في التعامل مع ما يرونه من أحداث، كما سيفتح الباب واسعا لضروب من التعامل بين الطرفين يحقق كل طرف فيها ما يريد.