جاسر عبدالعزيز الجاسر
بعيداً عن الإعلام ودون جلبة نسجت الهند مع نظام ملالي إيران شبكة من العلاقات قد تصل إلى مستوى العلاقة الإستراتيجية.
الهند وعبر الحكومات التي تداولت السلطة في نيودلهي، وجدت أنه - في وضع إيران في عهد حكم الملالي- يمكن توظيفها لتحقيق مكاسب إستراتيجية وسياسية واقتصادية ضد منافسي، ولا نقول أعداء، الهند التقليديين الصين وباكستان، وطهران في عهد الملالي الذين وجدوا في توجه الهند نافذة يمكن المرور منها إلى مواقع دولية أغلقت بوجه إيران نتيجة السلوك غير المرضي عنه من قبل العديد من دول العالم.
أيضاً الهند تطمع بالإضافة إلى توظيف التباعد المذهبي بين باكستان وإيران الاستفادة من مخزون الطاقة في إيران، وبالذات إمدادات الغاز، وتضع عينها على إمكانية الاستفادة من مَدّ أنبوب غاز من إيران إلى الهند، كما أن بإمكان إيران تزويد الهند بكميات كبيرة من النفط وبأسعار تفضيلية، هذا بالإضافة إلى كسب دولة تنتمي إلى الكتلة الإسلامية ووضعها في مربع تحالف ضد الدولة الإسلامية الأخرى باكستان، كما أن التغلغل الهندي في إيران، وتغلغل أنصار ملالي إيران في أوساط المسلمين الهنود يتوافق مع توجه الحكام في الهند والملالي في إيران، والذي يتمثل في عزل المسلمين الهنود عن الدولة الإسلامية القوية باكستان، وتقليل تواصلهم مع الدول الإسلامية العربية. كما أن كسب ودّ إيران في ظل حكم الملالي وتعظيم العلاقات بين نيودلهي وطهران يتيح للهند بناء تحالف ضد الصين التي يعتبرها الهنود عدوهم التقليدي، ورغم أن الملالي لا يريدون الابتعاد كثيراً عن بكين، إلا أن التمدد الهندي في المفاصل الاقتصادية، وخاصة في مجالات صناعة النفط والغاز والقطارات، والمشاركة في برامج تصنيع الأسلحة، وهذا ما جعل الصينيين يتوجسون من هذا الانغماس الهندي في إيران وقصروا تعاملهم مع الإيرانيين على شراء النفط الإيراني الرخيص، وتعزيز علاقتها مع إسلام آباد التي تعتبر نفسها مستهدفة جراء زيادة التعاون الهندي الإيراني.
هذه القراءة التحليلية لمثلث العلاقات (الصينية - الهندية - الإيرانية) يتطلب الانعتاق من السلبية التي رافقت الدوائر السياسية والاقتصادية والاستراتيجية العربية، وبالذات الخليجية التي حتماً ستتأثر سلباً بتطور العلاقات الهندية الإيرانية، والتي يفترض بها أن تستثمر التوجس الصيني في هذه العلاقة، وتبدأ بتطوير علاقاتها مع بكين ونسج شراكة مركبة مع هذا العملاق الاقتصادي والصناعي والسياسي الكبير جداً. شراكة يمكن أن تتطور إلى علاقة استراتيجية تشمل مثلثاً يتكون من الصين وباكستان ودول الخليج العربية لا يوازن فقط مع ما تقوم به الهند مع إيران، بل تحقيق تفوق إستراتيجي وسياسي وصناعي بالاستفادة من القدرات التصنيعية والثقل السياسي للصين وصدق ووفاء والتزام جمهورية باكستان الإسلامية التي لم تتخل عن دعمها وعلاقاتها الوثيقة مع الدول الخليجية العربية وتوافقها الديني والمذهبي، وهذا ما يعزز الأمن الإقليمي ويحصن دول الخليج العربية من الأطماع الإيرانية وتوظيفها لحاجة الهند لطاقة رخيصة توفرها طهران لمن يتمشى مع توجهاتها المذهبية والعرقية.
كما أن العمل مع قوة دولية صاعدة اقتصادياً وسياسياً كالصين، وقوة عسكرية موثوق بها كباكستان، يعزز توجه دول الخليج العربية، وبالذات المملكة العربية السعودية، في صنع علاقات متوازنة ومتعددة مع قوى دولية كبرى قادرة على التأثير وعمل توازن دولي في المنطقة.