نجيب الخنيزي
لا يمكن الحديث عن الميزانية العامة للدولة بوجه عام بمعزل عن الأبعاد الاقتصادية / الاجتماعية / السياسية، والتي تجسدها إلى حد كبير المشاريع والخطط الاستراتيجية ( خطط التنمية) التي تغطيها. من هذه الزاوية، الميزانية هي إحدى الأدوات (المالية والتنظيمية) المهمة لتجسيد خطط التنمية المستدامة في مضمونها الواسع. انطلاقاً من هذا الطرح فإنّ الموازنة تمثل تجسيداً وتحقيقاً للرقابة التشريعية والرقابة المالية والإدارية، وهي إذ تعتبر وثيقة سياسية وقانونية واجتماعية تتضمن بالتالي دوراً مهماً للمشاركة الشعبية من خلال المجالس التشريعية ومؤسسات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام، من منطلق أن الإنسان والمجتمع هما هدف التنمية وأداتها في الآن معاً. إننا لم نعد واحة معزولة عن العالم، نحن نعيش العولمة بكل ما تحتويه من عمليات معقدة ومتناقضة في محتواها ومظاهرها. هذا الطور من التطور العالمي يتسم بالنزوع المتسارع لعولمة الإنتاج والتبادل والتجارة والمال في ظل الثورة العلمية / المعلوماتية / الاتصالية، وشيوع نسق وقيم ومفاهيم حضارية كونية مشتركة باتت ضاغطة وملزمة للجميع، ناهيك عن ما تفرزه العولمة من استقطاب وتباين حاد بين دول المركز ودول الأطراف، وهو ما يستدعي من الدول النامية ومن ضمنها بلادنا العمل لتقليل المخاطر والآثار السلبية، والسعي ما أمكن للاستفادة من المزايا النسبية التي تتضمنها، خصوصاً أن المملكة باتت عضوا مهما في منظمة التجارة العالمية وفي مجموعة العشرين، هناك العديد من القضايا الرئيسية الجدية العالقة (التي لا تزال عصية على الحل لأسباب وعوامل مختلفة) في بلادنا، لم تستطع الموازنات السنوية وخطط التنمية (تسع خطط خمسية) المتتالية إيجاد حلول ناجعة لها حتى الآن. وبدون تجاهل ما تحقق من منجزات حقيقية على مدى العقود الماضية على صعيد التنمية وقطاع الخدمات والموارد البشرية. أسهمت الإيرادات النفطية بدور رئيسي في ذلك، خصوصاً في أعقاب الصدمة النفطية الأولى في سنة 1973م، (إثر حرب أكتوبر وموقف المملكة التاريخي في وقف ضخ البترول) وقد بلغت الإيرادات ذروتها في سنة 1981م، حيث قدرت إيرادات الدولة في تلك السنة بـ372 بليون ريال وبلغت نسبة النمو الاقتصادي في المتوسط حوالى 15 في المائة سنوياً، ومع تعداد السكان البالغ حوالي 9.6 ملايين نسمة في سنة 1980م، فإن متوسط نصيب الفرد من الدخل الإجمالي بلغ حوالي 137 ألف ريال في النة المذكورة، وهو ما كان يعتبر من أعلى المعدلات في العالم (خارج نطاق الدول الصناعية الكبرى).. لقد ركزت الخطط التنموية المتتالية على ثلاث مهام أساسية هي بناء وتطوير البنية التحتية، وتنمية الموارد البشرية، وتنويع مصادر الدخل. ومع أنه تحققت منجزات مهمة على صعيد تحقيق هذه المحاور الاستراتيجية، غير أن الطابع العام للتركيبة الاقتصادية ظل معتمداً ومستنداً إلى القطاع النفطي ضمن سياقات وقوانين السوق العالمية (العرض والطلب)، وتذبذباتها وتأثير العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمناخية ، إلى جانب وجود واكتشاف بدائل أخرى للطاقة مثل الطاقة الشمسية والمائية والنووية والنفط والغاز الصخري ..الخ، التي تؤثر بصورة واضحة في تذبذب أسعار البترول صعوداً وهبوطاً، وهو ما حدث في سنة 1998، حيث وصل سعر البرميل إلى أقل من (10) دولارات، وانعكس ذلك في تفاقم العجز في الموازنات العامة (قدر العجز في ميزانية المملكة في سنة 1998م، بـ45 مليار ريال) لسنوات عدة، كما تزايد الدين العام الذي وصل إلى 625 مليار ريال متخطياً بذلك حجم الناتج المحلي الإجمالي، مما أثر بشدة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية، بما في ذلك دخل الفرد السعودي الذي تراجع إلى 32 ألف ريال في السنة ... وللحديث صلة.