سعد بن عبدالقادر القويعي
في أقسى ظروف إنسانية تمر على بلدة مضايا في تاريخها -الواقعة بريف دمشق الغربي-، وفي أتون حرب مجنونة أهلكت البشر، والحجر، فقد تفاقمت معاناة سكان المدينة؛ بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه قوات النظام، وميليشيا حزب الله اللبناني، بعد أن غرق كل منهما في تجارة الدم، والموت، مسجلين - مرة أخرى- شكلاً آخراً من انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان، ودماءاً بريئة جديدة تضاف إلى سجلهما الحافل في المجازر.
من قلب المدينة المحاصرة التي باتت أشبه بسجن كبير تحيطه قوات النظام، والميليشيات المتحالفة معه -من جهة-، والألغام -من جهة أخرى-، دخلت مضايا في شهرها السابع من الحصار، دون إمكانية إدخال أي مواد غذائية، أو طبية؛ فكانت النتيجة أن أكثر من أربعين ألف مدني من سكان مضايا يتهددهم الجوع، والموت نتيجة الحصار؛ بسبب ويلات الحرب، والحصار الظالم؛ وبسبب التواطؤ الدولي على استمرار هذه المأساة الإنسانية، دون أن يلوح في الأفق أي تحرك؛ لإيقاف المجرمين، -فضلا- عن محاسبتهم، أو معاقبتهم.
من أراد أن يحصي حجم المعاناة الشديدة، والكارثة الإنسانية التي تجري هناك، فسيطول به المقام، وتجبناً لحصول كارثة إنسانية هي الأشد قسوة من نوعها -منذ بدء الثورة السورية-، وتضامناً مع بلدة مضايا، وأهلها المحاصرين بعد أن كثرت حالات الموت جوعاً في البلدة، فإن فصل المدنيين الأبرياء عن الصراع السياسي، والعسكري، من الذين ليس لهم أي علاقة بالقتال الدائر مطلب مشروع، إذ لا يصح أن يعاملوا كبيادق في لعبة السلطة المعقدة، الأمر الذي يستلزم بذل الجهد الدولي للضغط على الحكومات، والأمم المتحدة؛ لتوحيد، واتخاذ التدابير، والجهود اللازمة التي يمكنها من الضغط على نظام الأسد، وحزب الله؛ لكسر الحصار.
من الناحية القانونية، فإن النظام السوري، وحلفاءه من إيران، وحزب الله بدعم، وإسناد روسي، ما زالوا مستمرين في خرقهم المستمر لما جاء في منطوق قرار مجلس الأمن ذي الرقم « 2254ط «، الصادر بتاريخ 18 كانون الأول / ديسمبر 2015 م، والذي طالب جميع الأطراف في سوريا بوقف الهجمات الموجهة ضد المدنيين، وحواضنهم السكنية، وأي استخدام عشوائي للأسلحة، بما في ذلك من خلال القصف، والقصف الجوي، وتسهيل الخدمات الإنسانية، حيث نص القرار في البند «12» منه، على أن: «تمتثل جميع الأطراف فورا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان حسب الاقتضاء»، ودعا بذات الوقت: «الأطراف إلى أن تتيح فورا للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السريع، والمأمون، وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سوريا، ومن خلال أقصر الطرق، وأن تسمح فورا بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، -لاسيما- في جميع المناطق المحاصرة، والتي يصعب الوصول إليها». كما جرمت المادة «6» من ميثاق روما الأساس لمحكمة الجنايات الدولية الأفعال المكونة لـ»الإبادة الجماعية»، عبر إتيان أي فعل من الأفعال التي نصت عليها؛ بقصد إهلاك جماعة قومية، أو إثنية، أو عرقية، أو دينية بصفتها هذه، إهلاكاً كلياً، أو جزئياً، عبر «إخضاع هذه الجماعة عمداً لأحوال معيشية، يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً، أو جزئياً».
ستنتظر الإنسانية تحرك منظمة الأمم المتحدة، والدول العالمية؛ للوقوف في وجه هذا النظام المستبد الذي دمر الشعب السوري، مع ضرورة توصيف الجرائم بمقتضى مواثيق الشرعية الدولية -ذات الصلة-، وإسناد الانتهاكات لمرتكبيها، وفق الدلائل المتوفرة؛ فحجم التواطؤ الدولي على استمرار هذه المأساة الإنسانية، دون أن يلوح في الأفق أي تحرك؛ لإيقاف الطاغية عن إجرامه، ناهيك عن محاسبته، أو معاقبته هي وصمة عار في تاريخ البشرية، باعتبار أن جوع المحاصرين لم يعد يتحمل أكبر من هذا القدر، فما بالك وقد قامت قوات النظام، وحزب إيران في لبنان بزرع الألغام في محيط البلدة، والتي تجاوز عددها وفق المصادر «3300» لغم فردي، مما أدى إلى قتل الكثير من الشباب، بل ووقوع أكثر من عشرين حالة بتر لأطراف شباب البلدة.
إن من الجريمة النكراء بمكان أن يُسخّر النظام بأدواته، وأتباعه معاناة الناس لتبرير عقد هدن، واتفاقيات الخزي، والعار، فعلى الرغم من أن اتفاق «الزبداني -كفريا والفوعة-»، كان ينص على إدخال المساعدات، والمواد الغذائية لأهالي مضايا، والزبداني المحاصرين في بلدة مضايا، إلا أن النظام منع أي منظمة إنسانية من الوصول إلى البلدة، مما أدى إلى عدم تنفيذ ذلك البند، وبقائه معلقاً؛ ليبقى المحاصرون في مضايا يواجهون خطر الموت جوعاً، دون أي بادرة إنسانية دولية لإنقاذهم. بل إن صحيفة «ميدل إيست مونيتور»، حذرت من تحول مدينة مضايا بريف دمشق، والتي يحاصرها النظام السوري، وميليشيا حزب الله إلى مقبرة جماعية ما لم يساعدها أحد، كما بينت في تقرير سلط الضوء على معاناة «40.000» مدني من أهالي البلدة، بأن النظام أحاط المدينة بالألغام، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية لها، برغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.