د. محمد البشر
يلمس الجميع الهيكلية الاقتصادية القائمة الآن في المملكة العربية السعودية، والهيكلة الإدارية أيضاً، ومثل هذه التحولات تحتاج إلى وقت ليس بالطويل ليقطف الاقتصاد ثمرات ذلك الجهد، ولا يمكن لاقتصاد دولة ما أن يزدهر، إلاّ بجهد سكانها إذا هيئت له البيئة الإنتاجية الصالحة، ولذا فإن الجهود منصبة على إيجاد تلك البيئة وتحسينها لتكون أفضل، لينطلق الاستثمار الإنتاجي، ويجلب معه الاستثمار الخارجي، فالمستثمر المحلي أو غير المحلي، لديه خيارات متعددة في إنحاء العالم، وهو يضع بنصب عينه ضمان رأس ماله، والانتفاع بالربح الذي يجنيه من استثماره.
المملكة ولله الحمد بلد يشهد لها العالم بالأمن الدائم بإذن الله، والكثير من الشركات العالمية جلبت أموالها إلى السوق السعودي ونالت الكثير من الخير، ومنها من غادر لتعثر استثماره في دول أخرى، جعلته يسحب جزءاً من استثماره المربح لسد العثرات التي واجهته في أسواق العالم المضطربة، ومنها وهو الكثير من بقي وتوسع، ولذا فلو قيض أن يقوم أحد بدراسة عدد الشركات المستثمرة في السوق السعودي، ورؤوس أموالها، وأزمنة قدومها، وعدد المغادرين أو نسبة الأموال المغادرة، أو التي توسعت داخل السوق لحصلنا على نتائج مفيدة.. ومن وجهة نظري أن المؤشر سيكون في جانب البقاء والتوسع ولما يحكم ذلك هو الدراسة أو الدراسات التي ستتم، أو تلك التي تمت، ونشرت ولم يكون لي فرصة الاطلاع عليها، أو أن الدراسة تمت، وبقيت لدى الشركات أو المؤسسات المالية، وغير المالية التي قامت بها.
المملكة بها فرص كثيرة، لا سيما في المجال الصناعي والسياحي بشقيه، فيها أماكن مميزه، ومناظر خلابة، وجزر بكر ذات شواطئ نظيفة ورائعة، وأنواع لا تكاد توجد إلا بها من الشعب المرجانية والمنتشرة في أعماق مياه الشواطئ ذات الرمال اللؤلؤية المنبسطة، والمملكة بها مرتفعات تمتد من الطائف حتى نهاية جبال السروات السعودية، مع ما بها من هواء عليل تتدفق نسماته لتلامس الأجسام فتطعمها من رقتها صفاء وبهاء ومتعة، مع قطرات من المطر لتمسح آثار عناء الجهد المبذول في سبيل الحصول على لقمة العيش الكريمة، وقبل ذلك يوجد بالمملكة أشرف بقاع الدنيا، مكة و المدينة، وهي مهبط الوحي، وقبلة المسلمين وبغيتهم، ومرادهم الدائم، الذي ليس له حدود. والدولة أنفقت وما زالت تنفق وسوف تنفق الكثير لإسعاد الحجاج والمعتمرين، والزائرين للبيتين الشريفين.
المملكة لديها ثروات معدنية مكتشفة ومستثمرة، وأخرى مكتشفة غير مستثمرة وأخرى سوف تكتشف، بشيء من الجهد والصبر، والاقتصاديون يعلمون أن الاقتصاد له منحنيات تصل إلى القمة ثم تعود رويداً رويداً إلى القاع، ثم تعود مرة أخرى إلى القمة وهكذا، واليوم يشهد العالم هبوطاً حاداً في أسعار المواد الأولية، مثل الحديد والنحاس والنفط، وغيره من المواد الأولية، وذلك بسبب زيادة المنتج، وانخفاض النمو في دول مؤثرة مثل الصين والهند، وهاتين الدولتين تشكلان أكثر من مليارين ونصف نسمة من البشر، البالغ عددهم على ظهر البسيطة نحو ثمانية مليارات.
أسواق الأسهم في العالم انخفضت مستمدة انخفاضها من الصين، ولا بد لها أن تعود للصعود مرة أخرى، لا سيما الشركات الخدمية والاستهلاكية، لكن أسعار المواد الأولية وما يصاحبها من تعدين، قد تأخذ بعض الوقت، بعد أن تفعل الأيدي الخفية فعلتها في العرض والطلب كما يقول آدم سميث.
انخفضت المواد الأولية، وانخفضت أسعار الطاقة، ومع ذلك فالمنتجات الصناعية مثل السيارات وغيرها ما زالت في صعود وهذا ليس في المملكة فقط بل في العالم أجمع.
المواد الغذائية الأساسية مثل القمح والأرز والذرة والشعير، انخفضت بشكل كبير مقارنة بسنوات قليلة ماضية، ومع هذا فإن المنتج النهائي مثل الأبقار والأغنام والدواجن والبيض وغيرها، إما تزيد أو ثابتة على أسعارها.
الشعير مثلاً وصل سعره إلى نحو أربعمائة وخمسين دولار، ثم أنخفض حتى وصل إلى مائة وتسعين دولار، ولم يلاحظ أي انخفاض فيها في سعر المنتج النهائي.
النفط هو السلعة الأساسية الممولة لميزانية المملكة، مع أن المنتجات غير النفطية قد ساهمت بتسعة وعشرين في المائة، مما يظهر أن هناك تراجعاً كبيراً في الاعتماد على النفط، والنفط، انخفض بشكل حاد، ودول كثيرة لا يمكنها الصمود طويلاً في ظل أسعار اليوم، ولا بد لها أن تخرج من السوق ليحدث التواز عن نقطة معينة، ومن اليقين المطلق أنها ستكون أعلى من الوضع المالي، لكنها لن تصل إلى حدود المائة، لأن ذلك سيعيدها كرة أخرى.
الفائض العالمي كما يذكر بعض المحللين أربعة ملايين برميل، وقد تراكم المخزون نظراً للفائض، ولذا فإن خروج تلك الدول عند هذه الأسعار لا يعني حدوث التوازن مباشرة، لأن الأمر يتطلب وقتاً نفاذ المخزون، ومن ثم العودة للوضع المتوازن.
لقد عشنا في وقت كان سعر البرميل أربعة دولارات، وثمانية دولارات، وميزانية شهرية، ومع ذلك فالمواطن لم يتأثر، والمملكة آمنة سائرة في طريقها للنمو، ولهذا فإن ما تمر به أسواق النفط، سيهذب الكثير من أساليب الإنفاق، ولكن التنمية ستسير قدماً في ظل الأمن الذي تنعم به المملكة والحمد لله، وفي غمار الهيكلية الاقتصادية والإدارية الجريئة.