أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
يحتفل الوطن بالملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في الذكرى الأولى لبيعته ملكاً للمملكة العربية السعودية، فمرحباً بالذكرى العطرة ومرحباً بصاحبها، الرجل القوي الذي جنب البلاد والعباد مزالق وقع فيها كثير من البلاد المجاورة، إن مبايعة سلمان في العام الماضي جلبت الطمأنينة للكبير والصغير، فسلمان بن عبدالعزيز أهل لها، فقناعات الناس بأن الملك سلمان هو المقدم للملك موجودة في كل قلب. لقد مرت البيعة بمظاهرها المهيبة، كسحابة أمطرت فأحيت الأرض، إن تلك المظاهر تمثلت في صفوف المهنئين الطويلة، وفي زحام القادمين إلى مقر الإمارات لتقديم التهنئة لخادم الحرمين الشريفين، ومن تلك المظاهر ما شاهدناه في القنوات المحلية والعربية والإسلامية والعالمية من احتفال بالبيعة ونقل أخبارها، ورؤية صور المهنئين وصور مجالس الإمارات والمحافظات، ومن تلك المظاهر وفود الدول الخليجية والعربية والإسلامية والعالمية، فقد قدم رؤساء الدول بوفود كبيرة تنبئ عن مكانة المملكة العربية السعودية ومكانة ملكها سلمان بن عبدالعزيز، لقد استقبل مطار الرياض طائرات القادمين فطائرة تهبط وطائرة تقلع، وما ذلك إلا تقدير لقائدنا سلمان بن عبدالعزيز، ومن تلك المظاهر تهنئة خادم الحرمين الشريفين في صحفنا المحلية التي تزينت بصور الملك وبصور المهنئين وبأخبار البيعة، فالمواطنون يتسابقون إلى شراء الجريدة لأنها تحمل كل ما جرى في ذلك اليوم، فالصحف مرآة للرأي العام، فيها الصورة والخبر والتحليل، فإذا كان التلفاز يحمل الخبر والصورة فإن الصحيفة رفيقة المتأني، يرتاح إليها القارئ فيعيد النظر مرات ومرات في أخبار البيعة، وفي صور خادم الحرمين الشريفين، وصور المهنئين، إنها مظاهر غمرتنا ببهجتها، وصحبتنا في أيام تسلم خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم، إنها أيام أمل ورجاء ودعاء لخادم الحرمين الشريفين بالتوفيق والسداد، إننا في يومنا هذا نعيش في ذكرى تلك الأيام، فالعاقل لهو من يتمنى لبلاده القيادة الحكيمة التي تقود البلاد إلى بر الأمان، فتحفظ أمنه وتوفر العيش لأبنائه وتدفع عنهم الأمراض بما توفره من وسائل الصحة وسلامة الأبدان، وتوفر لأبناء الوطن التعليم، فالعلم نور والجهل ظلام، إن تلك الدول التي سبقتنا في التعليم هي التي هيمنت على العالم بقوتها، فالعلم سبيل إلى القوة والجهل سبب كل ضعف وتخلف، إن من يغالط الواقع ويخلط الأوراق ويدعي بادعاءات لا توصل إلا بالرجوع إى الوراء مخادع لنفسه، يطلب مجداً شخصياً قد يحصل عليه مفرداً أو لا يحصل، إن مظاهر البيعة التي استقرت في الذاكرة لتوحي إلى كل رجل وامرأة وطفل في هذه البلاد بالأمل المتجدد الذي يحمل لهذه البلاد الخير والنماء، وقد مرت السنة الأولى- ولله الحمد- لبيعة خادم الحرمين الشريفين والأمن وارف والعيش رغيد والتعليم في تقدم والصحة في تطور، فالمطالب اليومية تتوافر في الحوانيت والأسواق، ومعيشة الإنسان اليومية هي مقياس رضا الناس، فالقوت أولاً قبل كل شيء، ويندر اليوم من يشكو من نقص القوت، أما السكن وهو رديف القوت اليومي فالشكاية من عدم توافره قائمة اليوم كما هي قائمة بالأمس، ولكن الدولة سائرة في طريق توفير السكن الملائم لكل أسرة في المملكة العربية السعودية، وخادم الحرمين الشريفين مهتم بسكن المواطن، والتغييرات في المسؤولين عن السكن دليل على هذا الاهتمام، إن مسؤولية الإشراف على الإسكان من أشق المسؤوليات، ذلك أن الإسكان ثاني اثنين في اهتمامات المواطن، فالعيون شاخصة نحوه والآذان منصتة لما يقال فيه، فنرجو لمن يتسنم تلك المسؤولية أن يعي ذلك، وأن مسؤولية الإسكان تلي مسؤولية المعيشة.
لقد اهتم سلمان بأمن البلاد، وأمن اليمن فاستجاب لطلب الجار وأعانه على توطين الأمن في بلد الجار (اليمن)، إن الحد الجنوبي يعاني منذ سنوات من الاعتداءات المتكررة من فئة خارجة عن توجهات الدولة اليمنية فعانت المملكة العربية السعودية من تلك الاعتداءات واضطرت إلى إخلاء بعض القرى الحدودية لأن السكان أصبحوا في خوف من مقذوفات الخارجين على كل ما اتفق عليه، ومع أن المملكة العربية السعودية سعت إلى التهدئة ظناً منها أن رأس الدولة غير راض عن تلك الأعمال ولكن الأمور تكشفت في الأخير فتبين أن من كانوا يدعون بعدم الرضا عن تلك الأعمال التي تلحق الضرر بالحد الجنوبي وتصيب أبناءه من وقت لآخر هم من يدعم تلك الأعمال ويعين أصحابها على مواصلة القتال وإلحاق الضرر بأبناء الحد الجنوبي وبالمملكة العربية السعودية، لقد نهض سلمان الرجل القوي فتحمل أعباء الحرب في اليمن فعادت الحكومة الشرعية وسيرت أمور البلاد، وهي سائرة في طريق تطهير البلاد من الخارجين على القانون والمنكرين لكل الوثائق التي التزموا بها، وقد أعاد سلمان الهيبة للحد الجنوبي فشاهدنا الذين حاولوا اجتياز حدود المملكة وهم منهزمون، فمنهم من قتل ومنهم من جرح ومنهم من هرب، إن تلك المعركة تنبئ عن مهارة جنود سلمان بن عبدالعزيز فهم لا يتقهقرون وقد انتصروا وعلَّموا المعتدين أن حدود المملكة لا يمكن تجاوزها، إن سنوات المراوغة من قبل الخارجين على قوانين بلادهم والمعتدين على الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية قد ولت، فقيادة المملكة العربية السعودية في أيد أمينة تنظر إلى أمن بلادها صباحاً ومساءً، فالأمن أولاً وكل ما يتبعه متعلق به، لقد تابعنا في تلفاز المملكة العربية السعودية (كيف واجهت المملكة العربية السعودية القاعدة) فرأينا رجال أمن مخلصين تحلوا بالشجاعة فآمنوا بالله أولاً، وانطلقوا في الذود عن بلادهم ومقدسات المسلمين، لقد شاهدنا من غرر بهم فاندفعوا إلى قتل النفوس وتدمير المنشآت والانتحار في سبيل نصر من غرر بهم فجعلهم وقوداً لأطماع وهمية، إن من يشاهد الجثث المتناثرة والمنشآت المهدمة والسيارات المبعثرة ليجزم أن أولئك هدفهم الدمار والقتل وتيتيم الأطفال وإتلاف الأموال التي أمر الله بحفظها، إن الشكر لله أولاً ثم لولاة الأمر ولرجال الأمن المخلصين الذين تصدوا لتلك الفئة فضحوا بنفوسهم في سبيل الله ثم حماية الوطن، لقد شاهدنا منزل صاحب السمو الملكي الأميرحمد بن نايف بن عبدالعزيز وأجزاء المنتحر قد التصقت في سقف مجلس الأمير الشجاع الذي لم يترك وسيلة إلا سلكها في تقويم أولئك المنتحرين، لقد وجه من يرشدهم إلى سبيل الرشاد، فأوجد المناصحة وهيأ لهم كل الطرق التي تبعدهم عن مسالك الردى والهلاك، لقد ضحى بنفسه واستقبلهم ليستمع منهم ولكنهم كافؤوه بالغدر والخيانة فأعدوا من يفجر نفسه بالقرب منه فكان الله مع الأمير والخزي والعار مع المفجر، إن برنامج (كيف واجهت المملكة العربية السعودية القاعدة) فيه توعية لدعاة السوء الذين يحرضون أو يجمعون الأموال للمخربين والمفجرين فمن سلك طريق زعزعة الأمن وانتسب للقاعدة أو لداعش أو لغيرهما بهدف الإخلال بالأمن في المملكة العربية السعودية فإن مصيره مصير من سبقه، فالمملكة العربية السعودية لديها اليوم خبرة في مواجهة الإرهاب أياً كانت وسائله ومصادره فتجهيزات رجال الأمن ستجهض كل محاولة ذميمة هدفها التخريب والإساءة إلى المملكة العربية السعودية، إن دولاً تعد نفسها في الصف الأول لم تستطع أن تحمي نفسها من الإرهاب، والحوادث التي حصلت في فرنسا وأمريكا تشهد بذلك، إننا نعتز بولاة الأمر ومن يأتمر بأمرهم من رجال الأمن، ونفتخر بتلك الانتصارات التي حمت البلاد من الدمار وحمت المقدسات من تعطيل العبادة فالحج آمن والطرق المؤدية إليه سالكة والعمرة مفتوحة طرقها على مدار السنة، فالبيت الحرام يستقبل المعتمرين في كل وقت وهو عامر بالطائفين والساعين والمتعبدين على مدار الساعة، ومسجد الرسول- صلى الله عليه وسلم- يقصده الزائر في كل وقت، فالمدينة المنورة ترحب بالزائرين والطرق المؤدية إليها آمنة ولله الحمد، وهذا فضل من الله منَّ به على هذه البلاد فحماها من التخريب وأنقذ أهلها من الهلاك والدمار.
لقد مر عام على مبايعة خادم الحرمين الشريفين حافل بالعطاء فاهتمامات الملك - حفظه الله - تمتد إلى البلاد العربية والبلاد الإسلامية بل البلاد عامة، فالزيارات لخادم الحرمين تتوالى فملوك الدول ورؤساؤها يتوافدون على الرياض في كل أسبوع، والمؤتمرات تعقد في الرياض من وقت لآخر، فمؤتمر دول أمريكا الجنوبية والدول العربية الذي عقد في الرياض بدعوة من خادم الحرمين الشريفين له نتائج إيجابية فتلك الدول تقف في صف القضايا العربية، فالمؤتمر وإن كان اقتصادياً إلا أن نتائجه السياسية ملموسة اليوم وفي المستقبل، إن اجتماع رؤساء تلك الدول في عاصمة المملكة العربية السعودية دلالة على تأثير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية، ومن تلك المؤتمرات مؤتمر المعارضة السورية، فقد مرت سنوات خمس لم تجتمع فيها المعارضة في مثل اجتماعها في مؤتمر الرياض، فعمل خادم الحرمين الشريفين الدؤوب في لم الشمل وجمع شتات المعارضة أثمر في مؤتمر نرجو أن يكون لبنة في بناء الكيان السوري المنتظر، فالكل يتطلع إلى نبذ العنف في سوريا وبناء دولة ديمقراطية تشترك فيها أطياف الشعب السوري، وتخرج البلاد من هذه الحروب المدمرة التي شتَّتت الشعب السوري ما بين لاجئ وغريب ومعدم، إنها مأساة يتألم لها ضمير كل عربي، إن الملك سلمان في قلب هذه الأحداث يتألم لألم الشعب اليمني والشعب السوري والشعب الليبي فيبذل ما يستطيع، مسخراً وقته وراحته وموارد المملكة في سبيل مساعدة كل عربي، لقد استقبلت المملكة بأمر خادم الحرمين الشريفين ملايين السوريين واليمنيين، فهم يقيمون في المملكة بكرامتهم فليسوا لاجئين، بل إن العمل متاح لهم في بلاد الملك سلمان- أعزه الله-، ومن تلك المؤتمرات مؤتمر مجلس التعاون الخليجي، فهذا المؤتمر ليس طارئاً، ولكن عقده في هذه الظروف التي تكتنف البلاد العربية تحتِّم النظر في مجريات الأحداث الراهنة لأن دول الخليج العربي في وسط هذا الخضم المضطرب فهي جزء من الكيان العربي، فما يصيبه يصيبها فتتألم لألم الإخوة وإن كانت بمنجاة عن تلك الأحداث، أعان الله خادم الحرمين الشريفين وأمده بالصحة والعافية، فعمله متواصل وجهده ملموس في داخل المملكة العربية السعودية وفي خارجها، فما أنجزه في سنة واحدة يعجز الآخرون عن إنجازه في سنوات، فهو ملك صاحبته الهمة ورافقته العزيمة فعمله دؤوب ونظرته بعيدة وخطواته موفقة إشاء الله، فالدعاء له بالتوفيق تلهج به الألسن من أبناء شعبه الوفي وممن ساعدهم وفتح بلاده للترحيب بهم، هذا هو سلمان بن عبدالعزيز في ذكرى بيعته الأولى.