أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
الوطن مكان ميلادك، ومأوى فؤادك تستظل بِفَيْئِهِ وظله، فما أحلى ثمر الوطن، وما أروى ماءه، تمشي على أرضه عزيزاً، فترتاح نفسك ويطمئن ضميرك، إنك تعرف قيمة الوطن عندما تتغرب وتبعد عنه، عند ذلك تحن إليه وتتمنى رؤيته، لقد خصصت الدولة أعزها الله يوماً في السنة أسمته اليوم الوطني، وفاءً للوطن بما قدم لأبنائه، ووفاءاً لمن بنى الوطن، وأسهم في بناء الوطن، إن بناء الوطن لم يكمل في يوم وليلة، وإنما بني في عشرات السنين، فهذا الوطن العريض الذي يمتد من البحر شرقاً إلى البحر غرباً، ومن الشام شمالاً إلى اليمن جنوباً استغرق بناؤه وجمع شتاته أزماناً متواصلة، تخللتها حروب طاحنة، ابتدأت بفتح العاصمة الرياض بعد عيد الفطر في السنة التاسعة عشرة بعد الثلاثمائة والألف لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد انطلق المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله من عاصمته يجمع الوطن قرية قرية ومدينة بعد مدينة وصحراء تلو صحراء، فتشتد المعارك في بعض السنين وتتراخى في سنين أخرى، فقد خاض المؤسس معركة جراب والسبلة وصبر في الرغامة وفرضت عليه الحرب في جنوبي البلاد وفي الشمال الغربي من البلاد، فما توانى القائد ولا قصرت به قدمه عن خوض حرب بعدت أو قربت، فهو ابن الحرب، نهض إليها وهو في العشرين، ولم تنفك عنه إلا وهو في الخمسين، وعلى أثر تلك الحروب اجتمعت البلاد وتوحدت القلوب فَعُدَّت سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وألف هجرية بداية للتفرغ للبناء، فكان فيها اليوم الوطني الأول، وتوالت السنون وتوالى اليوم الوطني يحمل الذكرى كلما حل فيذكر الكبير بتلك الأحداث، ويعلم الصغير تاريخ بلاده وما عانت في سبيل الوحدة ولمّ الشمل ونبذ الفرقة والتَّشَرذم، فها نحن اليوم ننعم بالأمن والأمان ورغد العيش، فالحياة لا تستقيم بدون الأمن، ولا حياة مع الفقر والعوز، فبلادنا جادت علينا بتفجر النفط، هذا الذهب الأسود الذي جلب الذهب الأحمر، فعمرت البلاد، وتعلم أبناؤها، وارتقت معيشتهم، وعز جانبهم، لأن وطنهم عزهم، فالسعودي اليوم يحترم في كل بلاد، ويرحب به في كل نَزْل، لأن بلاده بلاد ثروة والثروة تجلب الرفعة والسمو، فهل نعي حق الوطن الذي أضفى علينا رداء الشرف وألبسنا ثياب الفخر، إن من ينكر حق بلد جاد عليه برخاء العيش لهو جاحد للنعمة منكر للجميل، فهو لا يستحق العيش على أرضه ولا السير فوق أديمه، إن بلادنا اليوم تستضيف الجار، وتؤوي المظلوم، وتساعد المحتاج، فهيلدولة العربية الأولى في مساعدة الآخرين، وهي في مقدمة دول العالم التي تبادر بالمساعدات الإنسانية في حال حدوث كوارث من زلازل أو أعاصير أو فيضانات أو جدْب، وقد اعترفت الأمم المتحدة بجهود المملكة في المجالات الإنسانية التي تساعد الإنسان في أي أرض، أما الإخوة العرب فمساعدتهم واجبة، وهي تتمثَّل في مساعدة الفلسطينيين واستضافة السوريين والعراقيين واليمنيين، لقد أنشأت المملكة مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ليكون مشرفاً وجاهزاً لكل حدث، وقد باشر أعماله منذ إنشائه فاستفاد منه الإخوة في اليمن؛ حيث سهل نقلهم من البلاد التي علقوا بها كما أنشأ المخيمات الإيوائية للإخوة اليمنيين مما خفف عنهم أعباء الانتظار وسهل لهم الإقامة في تلك المخيمات.
وتأتي الانتخابات البلدية في اليوم الوطني لتقول للعالم إن المملكة العربية السعودية في تقدم مستمر، فبالأمس فتح الملك فيصل مدارس البنات فجنينا ثمارها اليوم حيث أصبحت المرأة معلمة وموظفة وأستاذة في الجامعة وكاتبة وطبيبة، فشاركت أخاها الرجل في النهضة والسير بالبلاد إلى مصاف الدول المتطورة، وأسهمت المرأة بعد تعلمها في تحسين عيش الأسرة، حيث أصبح دخل الأسرة من الرجل والمرأة فتحسنت الحالة المعيشية للأسرة السعودية، فالتعليم فتح باب الرزق بالإضافة إلى أنه أغلق باب الجهل، فالجهل ظلام والعلم نور، واليوم تشارك المرأة في الانتخابات البلدية فها هي تسير إلى المراكز الانتخابية لقيد اسمها ناخبة أو تسجيل اسمها مرشحة، فهذه خطوة إيجابية خطتها المرأة السعودية، فالدولة أيدها الله هي التي أتاحت للمرأة الترشح والانتخاب، لقد كان لفتح المجال أمام المرأة السعودية صدى واسع في الإعلام العالمي من بين مشيد ومناقش ومستحسن، فهذه الخطوة للمرأة السعودية تضاف إلى خطوات كثيرة خطتها وأهمها خطوة التعليم التي تعد للملك فيصل رحمه الله.
ونتذكر في اليوم الوطني أولئك الرجال الذين نهضوا مع الملك عبدالعزيز فضحوا بأنفسهم في سبيل رفعة راية الإسلام أولاً ثم صيانة الوطن وحفظه من اعتداءات الأعداء، وأبناؤهم وأحفادهم عماد جيش المملكة العربية السعودية، هذا الجيش الصامد اليوم على الحد الجنوبي، لقد أثبت جيش المملكة العربية السعودية قدرته على حماية المملكة من الأعداء، فهو جيش لردع العدو وحماية الوطن، لقد استشهد عدد من الجنود والضباط، فما فتَّ في عضد جندي ولا ضابط من المرابطين بل زادهم إصراراً على حفظ كل شبر من أرض الوطن، إن اللحمة الوطنية هي التي تجمع فئات الشعب خلف ضباطنا وجنودنا، فالجميع يَفْدُون الوطن بأرواحهم، فما قيمة الإنسان بلا وطن، إن ابن الصحراء وابن القرية وابن المدينة في خندق واحد لتأييد قيادتنا وجيشنا وهذا ما يحس به كل مواطن، وما يدون ويكتب وينطق في وسائل التواصل الاجتماعي دليل على استقامة الصف والسير في الطريق المستقيم، إن النشاز الذي يحدث في المجتمع نبتة ضارة يجب اقتلاعها حتى يعلو النبت، وهذا ما حدث في التفجير في المساجد في شرقي البلاد وغربيها، فأولئك نباتات ضارة نمت وترعرعت فأهملت من قبل الأسرة، فلما عَلَتْ واستقام عودها ظهر عليها الشر، فأساءت لنفسها ولوطنها ولمجتمعها، ولو أن المجتمع يتفقد أفراده فينزع من فيه شر قبل استفحال شره لنجا المجتمع، إن أولئك الأشرار يتَّموا الأطفال وهدموا البيوت العامرة، وأحرقوا أكباد الوالدين والأقارب، الذين بكوا المفقودين، فكم من طفل فقد والده في تفجير آثم وكم من أم تسامر الحزن على فراق ابنها الذي كانت تبني عليه آمالاً عراضاً، إنها المـآسي لا تزول في يوم وليلة، بل تبقى سنين متطاولة، أبعد الله الأشرار عن بلادنا العزيزة بلاد الحرمين الشريفين.
ورجال الأمن في صف واحد مع رجال الجيش فحرب المخدرات حرب مستمرة، وهي تحارب رجالنا ونساءنا وأبناءنا في الجامعات والمدارس، فهناك المهرب والمروج والناقل والمتعاطي، فرجل الأمن في سلاح الحدود أو مكافحة المخدرات أو في الجمارك أو ممن ينتدب للقبض على المجرمين رجل محارب، نعم إنه يحارب هذه الأمة المخدرات التي تخرب العقول والبيوت وتجلب الجهل والفقر والعار فالمخدرات بؤرة شر، لا توجد صفة من صفات الشر إلا وتوجد فيها، فالطالب إذا وقع في تعاطيها ترك دراسته وأصبح عالة على المجتمع، والموظف إذا أدمن المخدرات طرد من وظيفته فمصيره إلى الفقر، والبيوت التي تناول أصحابها المخدرات تفشى فيها الفساد بكل أنواعه، إن مكافحة المخدرات من قبل رجال الأمن عمل بطولي وجهاد في سبيل الله أولاً ثم حماية للوطن من هذا الشر الذي لا يقف عند حد، فحرب المخدرات حرب دائمة ولا يضاهيها أي حرب أخرى.
إن المجتمع يقدر رجال الأمن وما يقومون به من تضحيات أعانهم الله على هذه الفئة الباغية التي همها إفساد المجتمع وجلب الفقر والجهل والمرض لأبنائه عن طريق نشر المخدر بين أفراده، إن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع فإذا وعت الأسرة مسؤوليتها نحو أبنائها فحفظتهم من جلساء السوء وراقبتهم في ذهابهم وإيابهم فإن ذلك أكبر معين لرجل الأمن الذي يتحمل إهمال الأسرة عندما يحصل، فكم من رجل أمن فقد حياته مع مهربي المخدرات أو مروجيها، وحفظ الوطن من الشر يمتد إلى كل مقيم على أرضه فعلى المقيمين على أرض الوطن رد الجميل لبلاد أعانتهم على كسب رزقهم، فهم جزء من الوطن ما داموا يقيمون على أرضه، فما ناله من خير أصابهم، وما ناله من شر لا قدر الله اكتووا بنار ذلك الشر، وللأسف الشديد فإن بعض المقيمين يسيئون إلى الوطن عن طريق تهريب المخدرات وربما استشهد رجل أمن بسبب هذا الوافد، إن المقيمين اليوم يمثلون نسبة عالية من المجتمع من بين رجال ونساء، واستقامتهم ومراعاتهم لقوانين المجتمع تسهم في حفظ الوطن وأمنه.
ومن وقفاتنا في اليوم الوطني تذكر قضيتنا الكبرى قضية فلسطين، فهي حاضرة في ذاكرة الوطن: المملكة العربية السعودية منذ النكبة الأولى 1948م فقد حارب السعوديون في ذلك العام ضمن إخوانهم العرب وفي عام 1967م حاولت المملكة تضميد الجراح، أما مساعدة الفلسطينيين مالياً ودعم قضية فلسطين في المحافل الدولية، فالمملكة من أوائل الدول العربية في هذا المجال.
وفي اليوم الوطني يقف الوطن صفاً واحداً خلف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، فهو رافع راية الوطن التي يستظل بها أبناؤه، أدام الله عزه فعزه هو عز الوطن، لقد أمضى جل حياته خادماً لعاصمة الوطن الرياض، وها هو اليوم يقضي يومه وليلته في خدمة الوطن وتسيير أموره وحفظ ترابه من الأعداء المتربصين به، أعزه الله وأذل أعداءه، وما زيارته للولايات المتحدة الأمريكية إلا لتقوية الروابط بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ثم إن منطقتنا اليوم أحوج ما تكون إلى الأمن؛ فالعابثون فيها كُثر، وقد تبين من الآخرين عدم الاكتراث، ومن هنا جاء التعويل بعد الله على رجل المنطقة القوي الملك سلمان بن عبد العزيز، فقد تحمل أعباء المنطقة، وهاهو اليوم يتحمل الأسفار ويسعى إلى كل ما من شأنه إبعاد المنطقة عن الصراع والعبث الذي شرد مئات الآلاف، ودمر بيوتهم، وجلب لهم الفقر والعوز، فالعبث سائر في طريقه إن لم يوقفه حلماء العالم، والملك سلمان واحد منهم.