د. محمد بن سعيد العلم
منذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- سدة الحكم في الثالث من ربيع الثاني لعام 1436هـ، وخلال الساعات الأولى أُعلنت مجموعة من القرارات الحاسمة، فكانت مواكبة في حجمها وجوهرها لوتيرة العالم المتسارعة، وأضحت شاهدة على بداية عهد جديد يتّسم بالحزم الذي يبعث الأمل بعهد مختلف يركز على نواحٍ مهمة جدًا في السياسة، والاقتصاد، والحياة العامة، فأعاد ترتيب بيت الحكم من الداخل ليكون فتياً قوياً، وضخ دماء الشباب في مختلف مفاصل الحكم والإدارة والمشاركة السياسية الفاعلة، بما يعزز الروابط المجتمعية المتكاملة بأطيافها وألوانها التي تكسي الوطن حلّة فريدة تعكس وحدة الصف وتكاتف الجميع، ولإدراكه بأهمية البعد السياسي في استمرار وحدة الأرض واصطفاف الشعب بعيداً عن التصنيفات والمزايدات على الولاءات والوطن، فقد عمد -أيده الله- إلى رسم رؤىً استراتيجية مستمدة حكمتها وعراقتها من معين الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- حينما أسس هذا الكيان الشامخ فاجتمعت هذه البلاد تحت راية واحدة، ثم ما سار عليه أبناؤه البررة من بعده جمعياً في السعي إلى نشر الوسطية والاعتدال ونصرة الشعوب الإسلامية والعربية والدفاع عنها.
لقد انطوى عام من العهد السلماني حافلٌ بالإنجازات الحاسمة وبخاصة في السياسية، والاقتصاد، والتعليم، كان فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قائداً مقداماً صانعاً للقرار ومؤثراً في الداخل والخارج، مستعيناً بخبراته المتراكمة على مدى عقود من الزمن تمكن فيها من سبر أغوار الدول والمجتمعات، فوجدت لها طريقاً في سجل التاريخ السعودي، حيث كان ولا يزال الحزم سمة القرارات والأوامر المكلية دون مواربة، بدءاً بالتعديلات الهيكلية في التنظيمات الإدارية للقضاء على البيروقراطية وحفظ الوقت والجهد، وتسهيلاً على المراجعين من المواطنين والمقيمين، ثم القرار الحاسم بانطلاق «عاصفة الحزم» التي جاءت وفاءً لجار عربي مسلم أبى أن يشتري بأرضه الذل والهوان، وأن يسلمه لأيدي شرذمة اعتادت القتل والتخريب، فكانت هبّة المملكة العربية السعودية على يد قائدها الملك سلمان بن عبدالعزيز للأشقاء اليمنيين اعترافاً بأهمية الجوار وإدراكاً للمشتركات الدينية والاجتماعية والثقافية التي ستظل نبراس محبة ووفاء.. ولقد كان هذا التحالف قراراً تاريخياً في معجم السياسة الدولية، حظي بتأييد واسع من الدول والشعوب العربية والإسلامية، ثم ما تبعه من قرار حازم بتشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي ينضوي تحت لوائه أربع وثلاثون دولة حتى الآن، وما هذه القرارات إلا امتداد طبيعي لسياسة المملكة الواضحة إزاء قضايا الإرهاب وأمن الوطن وراحة المواطن، وهي التي قد اصطلت بلظى الأعمال الإرهابية على يد بعض من أبناء هذه البلاد الذين ضلوا سبيل الفهم الصحيح لدين الإسلام وحب الوطن والوفاء له، ولكنها حققت -بفضل الله- إنجازات مشهودة في مكافحة الإرهاب والقضاء عليه لاقت صدى إيجابياً واسعاً من العديد من الدول والمنظمات الإنسانية حول العالم، واستمراراً لهذا النهج الثابت على مبادئ وأصول الشريعة السمحة، ما قامت به حكومة خادم الحرمين الشريفين مؤخراً بتنفيذ حكم القصاص في سبعة وأربعين من المدانين بجرائم إرهابية في مختلف مناطق المملكة، حيث جاءت هذه الأحكام تحقيقاً لأوامر الإسلام وبخاصة فيما يتعلق بحفظ الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال، لينعم أهل السعودية وشعوب العالم بالأمن والأمان والاستقرار.
وفي المقابل، يلاحظ المتابع لسلسلة القرارات والأوامر الملكية في هذا العهد المبارك بأن الحزم لم يكن بمنأى عن بعث الأمل في نفوس السعوديين، والشعوب العربية والإسلامية، فقد جاءت قرارات أخرى تحمل في طياتها عبق الهوية العربية الإسلامية التي أنهكتها التحزبات والنزاعات المذهبية والإقليمية، فبعد أن أعلنت المملكة العربية السعودية ودول التحالف انتهاء عاصفة الحزم بعد أن حققت نتائجها المرجوة، بدأت عملية إعادة الأمل لتيسير إجلاء الرعايا، ودعم عمليات الإغاثة الإنسانية، كما عملت أيضاً وزارتا الداخلية والعمل الاستعدادات اللازمة تنفيذاً لأمر الملك سلمان -أيده الله- باتخاذ الإجراءات لتصحيح أوضاع الإخوة الأشقاء من المقيمين اليمنيين بطريقة غير نظامية، واستمراراً لهذه القرارات التي تبعث الأمل في النفوس، استقبل الشباب والمواطنون والمقيمون على تراب هذا الوطن الغالي «برنامج التحول الوطني» الذي أنشئ هذا العام برضى وتأييد واسع، حيث جمع تحت مظلته شرائح متنوعة من المجتمع السعودي من مسؤولين، ومشائخ، ورجال أعمال، واقتصاديين، وإعلاميين، وأكاديميين، وكتّاب، برئاسة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس مجلس الاقتصاد والتنمية، بهدف تنمية المجتمع وتطوير الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص التي تعد الركائز الثلاث في أي مجتمع يصبو إلى اللحاق بركب العالم المتقدم، ومجاراته سياسياً واقتصادياً بما ينعكس إيحاباً على الحياة العامة للمجتمع بجميع فئاته.
إن ثنائية «الحزم والأمل» في مسيرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- لتعد انعكاساً لميزان سياسته القائمة على أصول ثابتة مستمدة مبادئها من الشريعة الإسلامية، ولا غرو وهو المتمرس في المجالات السياسية، والتاريخية، والإدارية، والإنسانية، كما أن هذه الذكرى السنوية على توليه مقاليد الحكم زاخرة بالقرارات والأوامر التي تضيق المساحة عن استيعابها، وإنما يكفي من القلادة بأحاط بالعنق، والله أسألُ بأن يبارك في حُكمه وعمره وأن يعزّ به الأمتين العربية والإسلامية، وأن يحفظ بلادنا وأن يديم عليها نعم الأمن والرخاء.