د. خيرية السقاف
تبعث بعض العبارات حين نقرأها في الخاطر معانيَ لا يستطيع المخيال أن يتجاوز إيحاءها,
ولا أن يمر بها دون وقفة تأمل. فاستدعاء..
في جملة «لا حدود» بين مناطق الوطن, التي نص على عدم استخدامها توجيه وزارة الداخلية لأمراء المناطق, وأجهزتها الإدارية, بألاّ تتضمنها المخاطبات الرسمية ما أفاض من المعاني في النفس, وأمدَّ..
فالوطن جزء من فضاءات الله تعالى التي لم يقسمها حد اسمنتي,
ولا خشبي, ولا سور من حديد..
وهو شاسع بحرية هوائه, ممتد برحابة أهله,
ملتم بسواعد عزائمهم, متلاحمٌ بطيب قلوبهم,
مستَظَلٌ بنسيج خيمة وتدهم..
وهو آهل بثراه لا يقسم أديمه حدٌّ , ولا مدٌّ..
المناطق فيه كبيوت الأحياء, كلٌ فيها يأوي لمنزله,
فإن فتحت أبوابها سمع الجار جاره, وإن وارب نافذته رآه,
وإن طُبخ طعامهم بلغته رائحته المشتهاة..!
في مواسم الوطن إن أمطر شتاؤها, فعلى سطوحهم, وجدرهم,
وإن أحرق لظى صيفها فترابه وأقدامهم ,
وإن أضاء القمر ليله أطل عليهم , وتسلل من نوافذهم,
والشمس إن تنفست فبصبح يوقظهم,..ويرسلهم..
الوطن كالقلوب الطيبة,
لا حدود بينها, ولا قواطع تكسرها
حين تحب تلتئم,
وحين تتواد تلتحم,
وحين تطيب لا تتجافى..
كلُّه يعمل لكلِّه حياة, ونبضاً
لا حداً يجافي أجزاءه, عن أجزائه,
ولا صدعاً يشج تماسكه عن تلاحمه..
لا حدود, لا حدود..
فنسيجه كالرغيف, حين يعجن يتماسك,
وحين ينضج يصبح الغذاء, فالبقاء.
فلنكن كالوطن,
لا حدود بين ذرات ترابه,
وامتداد سمائه,
ونبع مائه..