إبراهيم عبدالله العمار
لَفَتَ انتباهي شيء.
في العربية، إذا كان المرء يزور المستشفى لعلة فنقول «مريض»، مثل «جاء المريض» أو «كم رقم ملف هذا المريض؟». هذه هي الكلمة المعروفة. لكن في اللغة الانجليزية، الكلمة هي «صابر Patient».
ليس هذا فرقًا بسيطًا. ليس مجرد اختلاف في اللغات، بل المسألة لها بُعدٌ أعمق من هذا: إن للكلمات تأثيرًا نفسيًا. استخدام الكلمة السلبية أسوأ على النفس، فحتى لو كان الشخص معلولاً في جسده أو نفسه فمن غير المفيد أن نصفه أنه مريض، وهناك كلمة أخرى تُستخدَم في المشافي وهي كلمة «مراجع»، فهذه أفضل بكثير وليس فيها إشارة سلبية.
هذا المبدأ موجود منذ قديم الزمان لكن لا نطبقه كثيرًا، فقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «لا يقولَنَّ أحدُكُم: خَبُثَتْ نفسي، ولكِن ليقل: لَقِسَتْ نفسي»، فإذا أصاب المرء غثيان أو ثِقَل أو اضطرابات نفسية أو هضمية فإن الرسول أوصى بتجنّب وصف هذه الحالات بأوصاف سلبية قوية مثل الخبث وأوصى باستبدالها بكلمة أخف في الإيحاء، بل حتى في النطق نلاحظ أن «لقست» أخف على اللسان من «خبث» الثقيلة المخيفة، وكان الرسول يطبق هذا المبدأ في مواضع أخرى، فإذا رأى شخصًا سيء الاسم أوصاه أن يغيّر اسمه، ومن ذلك شخص اسمه «حزن» واقترح عليه تغيير اسمه إلى «سهل». فتاة اسمها «عاصية» سماها «جميلة». رجل اسمه حرب فسماه سلمًا. وكذلك الأشياء وليس البشر فقط، فلما مر بشِعبٍ اسمه الضلالة غير اسمه إلى شِعب الهدى، وهكذا.
وقد كان للعرب مبدأ مشابه لهذا، فإذا لدغت حية أحدًا من الناس وذهبوا به إلى طبيب لم يقولوا: معنا ملدوغ أو مريض أو مصاب بالسم أو غير ذلك، بل يقولون: معنا سليم. سمّوه سليمًا تفاؤلاً بالشفاء، ومن اللطائف أن هذه لها أثرٌ حسن على المصاب من ناحية عملية بحتة، فمن النصائح التي يوصى بها من يلدغه كائن سام كثعبان هو إلا يذعَر ويفزع بل يحاول الهدوء، لأن اللدغة أدخلت السم إلى الجسم عن طريق الدم، فإذا ذعرَ الشخص زاد هذا ضربات القلب ومن ثم سرعة الدورة الدموية وهكذا ينتقل ويتوزع السم في الجسم بشكلٍ أسرع!
ومن اتفاقات هذا الموضوع ما وجده الباحثون في ألمانيا لما درسوا الناس ذوي أسماء عائلة معينة وكيف مآلهم في العمل، فالذين كان اسم عائلتهم يوحي أنه نبيل شريف مثل Kaiser (قيصر) وKonig (ملك) كانوا في مناصب إدارية أعلى من ذوي أسماء عائلة Koch (طباخ) أو Bauer (فلاح)، ودراسات أخرى أظهرت تأثيرًا كبيرًا للاسم على صاحبه، ووجدت أن أصحاب الأسماء الغريبة التجريبية دخلوا في مشكلات أكثر من غيرهم ممن أسماؤهم عادية.
لهذا يحسُن اختيار الأسماء المناسبة والطيبة للمواليد والأماكن والأشياء، والابتعاد عن السيء والغريب.