إبراهيم عبدالله العمار
في أحد أيام عام 1912م في نيويورك، أخذ عمال البناء يحفرون تحت الأرض وذلك لمشروع قطار تحت الأرض (مترو)، وأثناء حفرهم توقف العمال فجأة واتّسعت أعينهم بدهشة: وجدوا محطة قطار أسفل الأرض!
لكن كيف؟ هذه أول مرة تقوم المدينة بمشروع كهذا في تلك المنطقة، وقطارات تحت الأرض لم تبدأ رسميًا إلا حديثًا. لم يعرفوا أنهم وقعوا على جزء من التاريخ لم يعرفوا عنه، ذلك أنه قبل أن يقع هؤلاء العمال على تلك المحطة بقرابة 50 سنة كان هناك رجل اسمه ألفرد بيش، وهو محرر مجلة ساينتفك أميريكان، الذي تبرّم وسخط من زحام نيويورك الشديد آنذاك وأتى بفكرة: إن يبني قطارًا تحت الأرض يعمل بالهواء. كانت فكرة جنونية، فلم يكن هناك أي قطارات تحت الأرض ولم يفكر أحد بهذا من قبل، لكن ألفرد كان ذا عقليةٍ علمية وقد اخترع من قبل حفارة أنفاق وأنابيب هوائية تنقل الناس وغيرها من الأفكار، والآن أتى بأشد أفكاره جرأة، ولكنه قرر ألا يُعلِم الجميع بها، لأن أحد أقوى سادة نيويورك واسمه ويليام تويد عُرِف بالفساد والطغيان ولو علم عن هذا المشروع لأجبر ألفرد أن يدفع له رشوة ليسمح له رسميًا بالحفر تحت الأرض وبناء المحطة، لكن ألفرد أخبر المقربين منه أن لن يدفع أي رشوة لهذا السياسي الفاسد، وقرر أن يجعل فكرته أجرأ بكثير من قبل: قرر أن ينفذ المشروع من دون علم تويد ولا الناس ولا حكام المدينة!
شرع ألفرد في حفر نفق طوله 100 متر...في سرية تامة. أعلن أن الهدف من مشروعه هو إنشاء قناة تنقُل الرسائل بين المباني بأنابيب مثل الطريقة المعروفة في السفن سابقًا، وزاد في حذره بأن جعل العمل ليلاً لكيلا يفطن أحد أن طبيعة العمل لا تتلاءم مع مشروع أنابيب رسائل، فكان التراب يُخرَج سرًا ومواد البناء تأتي خفية. في فبراير من عام 1870م فتح ألفرد أبواب محطة القطار أمام ذهول المدينة التي لم ترَ اختراعًا كهذا من قبل ولم تدرك أنه كان يُبنى أمام أنظارهم من دون علمهم، حتى أن جزءًا من الحفر كان أسفل مبنى حكام المدينة! رأى الناس القطار الذي يمشي بكفاءة، وذلك بقوة مروحة في طرفه وزنها 50 طنًا، واندهشوا من كفاءة هذا القطار، ما عدا المتجبر تويد الذي استشاط غضبًا لما علم بهذا وقاتل المشروع بضراوة، وعلى الرغم من أن ألفرد نجح في الحصول على تصريح من الحكومة بعدها إلا أن أزمة مالية جعلت المستثمرين يبتعدون عن هذا المشروع الجديد المجهول، فاضطر ألفرد لإغلاق المحطة الفريدة، وظلت مدفونة منسية تحت الأرض إلى أن ذلك اليوم الذي عَلِم فيه أهل المستقبل أن هناك من سبقهم في بناء قطار أسفل الأرض.
تحية لألفريد المبدع المغامر!