د. عبدالواحد الحميد
عشية الإعلان عن الأسعار الجديدة للبنزين والديزل سارعت بعض محطات المحروقات إلى الامتناع عن البيع انتظاراً منها لبدء سريان تطبيق الأسعار الجديدة وذلك للاستفادة من الفارق بين السعر القديم والسعر الجديد.
تزامن مع ذلك اندفاعُ الكثير من أصحاب السيارات لتعبئة خزانات سياراتهم بالوقود قبل تطبيق الأسعار الجديدة وذلك، بالطبع، للاستفادة من الفارق السعري.
النتيجة هي أن طوابير طويلة من السيارات المتزاحمة اصطفت أمام محطات المحروقات، وقد كان الضحية الحقيقي لما حدث هو مَن كان بحاجة ماسة لتعبئة خزان سيارته الفارغ بالوقود وبأي سعر.
وكالعادة عجَّتْ مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنوع التعليقات الساخرة والغاضبة والمستغربة!
لكن ما حدث، في الواقع ومن الناحية الاقتصادية المجردة، ليس غريباً وإنما هو تطبيق حرفي لنظرية «الحوافز» التي يدرسها الطلاب في مادة الاقتصاد. فالبائع في محطة المحروقات دفعه حافز الحصول على أقصى ربح إلى إغلاق محطته كي يبيع سلعته في اليوم التالي بالأسعار الجديدة. وصاحب السيارة الذي حاول تعبئة خزان سيارته بالوقود قبل بدء سريان الأسعار الجديدة المرتفعة كان يتصرف تحت تأثير الحافز الذي يدفعه للحصول على أقصى منفعة او إشباع من نقوده.
وبصرف النظر عن دقة المعلومات المتاحة للطرفين، فإن مجرد انتشار الخبر أو حتى الإشاعة عن الأسعار الجديدة كفيل بدفع البائع والمشتري أن يتصرفا وفق ما يحقق لهما أقصى ربح أو أقصى منفعة.
وبالنسبة للبائع، سوف يتوقف سلوكه الفعلي على ما يتوقعه من ردود أفعال تحددها البيئة التنظيمية التي يعمل في سياقها. فبصرف النظر عما جاء في مواقع التواصل الاجتماعي التي علقت على أصحاب المحطات بأنهم يفتقرون إلى الوازع الأخلاقي أو غيره من القيم المثالية، فإن العامل الأكثر أهمية بالنسبة للبائع هو شيء واحد وهو: هل سوف يناله عقاب من جهةٍ ما إذا امتنع عن البيع؟
هذه حقيقة اقتصادية تستند إلى الحوافز والدوافع. ولذلك فإن السؤال المهم هو: هل كان بوسع الأجهزة التنفيذية، مثل وزارة التجارة والصناعة، أن تمنع الباعة من إغلاق المحطات وذلك بتطبيق أنظمة تتضمن غرامات وعقوبات رادعة بحق الممتنعين عن البيع؟
المتحدث الرسمي بلسان وزارة التجارة والصناعة قال إن الوزارة تعاقب الممتنعين عن البيع بغرامة قدرها ألف ريال، فهل هذه العقوبة رادعة؟ كما أن المتحدث الرسمي طلب من المستهلكين الإبلاغ عن أي محطة تمتنع عن البيع، وقد رد بعض المستهلكين بقوله إنه اتصل بالوزارة ولم يجد تجاوباً وأن عدد المحطات التي استطاعت الوزارة تسسجيل مخالفات بحقها محدود.
إجمالاً، يمكن القول أن «الحوافز» لدى بعض الباعة قد تدفعهم للاستفادة من أي فرص مواتية حتى لو كان ذلك من وجهة نظرنا نحن معشر المستهلكين استغلالاً لجيوبنا. ولكي نصد هذه «الحوافز» يجب خلق حوافز أقوى تمنعهم من الاستغلال وفي مقدمتها بيئة تنظيمية تسودها قوانين واضحة وصارمة يتم تنفيذها بحق من تنطبق عليه.