سهام القحطاني
* عندما شرع الله «القصاص» وضّح قيمته بقوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)، (البقرة-179).
ولعل أول ما يوقفنا أمام هذه الآية الكريمة هو «تداولية ثنائية الموت والحياة»، وهنا تتسع دلالة القصاص من كونه عقوبة ضابطة لسلوك الفرد إلى قيمة مانحة للحياة.
ومن هنا بنيت نظرية العقاب في التشريعات الإنسانية «الأنا والآخر» فمهما امتلكت «الأنا» من عظمة وجبروت فهي لا تستطيع بموجب ما تملكه من قوة من «سلب الآخرين حقهم في الحياة» سواء الحق المادي أو الحق المعنوي، ومتى ما تجاوزت قوة الأنا في سلب الآخرين حقوق حياتهم خضعوا لعقوبة القصاص، فالناس سواسية في ظل قوانين القصاص والحدود، فلا حاجز لدين أو مذهب أو عرق مانع له. ومن نجا من القصاص الأرضي فلن ينجو من القصاص السماوي ولو بعد حين.
وبذلك يصبح القصاص هو عقاب تحفظ بموجبة الحياة، وهذه الفكرة هي التي بُنيت في ضوئه القوانين سواء في صياغاتها المحلية أو في صياغاتها الدولية.
ومع احترامي لما تقوم عليه تشريعات «حقوق الإنسان» التي أصبحت مطية لكل مروّج لفتنة المجتمع، لا بد من وضع ضوابط للتأطير العام الذي يتحرك فيه مفهوم حقوق الإنسان في المجتمعات العربية بحكم أن تلك المجتمعات تتشكل مسطرتها التقويمية والفكرية والسلوكية من خلال الديني والعرفي، وهنا لا أقصد تغليب دكتاتورية السلبي الديني أو العرفي على حقوق الإنسان إنما أقصد تغليب المصلحة العامة والأمن القومي وسلامة توافقه المجتمعي على حقوق الإنسان، باعتبار أن حق الأنا يسقط بوجود ضرر على الآخرين، وهذا الاعتبار قائم حتى في أعتى الدول الديمقراطية وراعية لحقوق الإنسان، فمتى ما مست تشريعات حقوق الإنسان الأمن القومي لها فلا سلطة لتلك التشريعات.
* لا يمثل أي إرهابي أي دين أو مذهب أو مجتمع أو شعب أو أمة، لا يمثل سوى نفسه التي باعها للشيطان على عقد مكتوب بدم الأبرياء.
ولذلك فمن غير الإنصاف والموضوعية وقبلهما العقلانية تنسيب الإرهاب لدين أو اعتماد احتكاره لمذهب أو لشعب أو؛ لأن الشاذ هو ما يخرج عن إطار الكلية وليس العكس هو الصحيح، لأن ما يخالف الطبيعة الإنسانية سيظل الشاذ الذي تحاربه الطبيعة السوية وليس هو المفترض الذي تسعى إلى نشره وتعميمه، وبذلك فكما أن «أبا بكر البغدادي ومن قبله أسامة بن لادن لا يمثلان الدين الإسلامي ولا وسطية المذهب السنيّ وقيمه العالية، «فنمر النمر» و»سمير قنطار»، لا يمثلان الدين الإسلامي ووسطية المذهب الشيعي وقيمه العالية، فكلا النموذجين من المذهبين لا يمثلان أي دين ولا مذهب لا يمثلان إلا الشيطان الذي باعا نفسهما له من خلال دماء الأبرياء.
* لا نزال كسنّة في السعودية بيننا وبين الشيعة سواء العرب أو الإيرانيون فجوة يجب أن نجد لها حلا، وأظن أن الحل يُمكن إيجاده من خلال العديد من الإجراءات منها؛
إيجاد مشروع لقناة ثقافية إعلامية تتبناها السعودية موجِه إلى الشعب الإيراني باللغة الفارسية لتوضيح الحقائق الغائبة عن الشعب الإيراني الذين هم إخوة لنا في الإسلام تحت مظلة منظمة الدول الإسلامية، وحتى يتسنى لنا الكشف عن أكاذيب أعلامها والإعلام العربي الداعم لها وافتراءات حكومتهم.
إن الشعب الإيراني المسلم يقود غضبه نحو السنيين عامة والسعوديين خاصة جملة الأكاذيب والافتراءات التي تنشرها الحكومة الإيرانية عبر قنواتها الإعلامية المختلفة، ولذا فوجود قناة سعودية تُبث باللغة الفارسية خطوة مهم لتنقية الذهنية الشيعية الإيرانية من تلك الافتراءات والأكاذيب الملفقة للسنة وللدولة السعودية ودحضها.
فالثقافة والإعلام في زمن الفضاء المفتوح هما أقوى الطرق في إيجاد توافق سلمي بين الشعوب وإن احتاج إلى فترة زمنية طويلة بسبب القيمة المضافة للثقافة الأولية.
إضافة إلى وجوب انفتاح الثقافة والإعلام السعوديين على التجارب الإيرانية الفكرية والثقافية الوسطية وتسليط الضوء عليها من خلال شراكة ثقافية توعوية سعودية إيرانية.
* السماح لرجال الدين الشيعة الوسطيين ومثقفيها الوسطيين بإنشاء قناة ثقافية توضح العلاقة الحقيقية السلمية والتضامن الأخوي للشيعة والسنّة في المجتمع السعودي، ودحض كل ما يروّج عن السنّة في السعودية، وهذا الأمر بلاشك سوف يقطع ألسنة الافتراءات والأكاذيب المروجة من القنوات الشيعية المتطرفة، إضافة إلى أن دحض الأكاذيب عندما يأتي من رجال دين شيعة ومثقفين شيعة يكون تصديقهم أقرب وأقوى للذهنية الشيعية خارج السعودية.
لقد انشغلنا في المجتمع السعودي بمعالجة الفكر التطرفي الإرهابي السني وتركنا الفكر التطرف الإرهابي الشيعي، ولذلك يجب أن يكون هناك دراسة لأسباب ظهور التطرف الديني الشيعي في المجتمع السعودي ومدى قابليته على النمو أو الانكماش بمشاركة مفكرين شيعة وسنّة وتقديم حلول لعدم توسع هذا الظهور.
* تتحمل الثقافة والمثقفين السعوديون مسئولية كبرى من خلال تقديم دور إيجابي في جمع الشمل الفكري بين السنة والشيعة من خلال المؤتمرات الثقافية والندوات الثقافية الموجه للشيعة سواء في السعودية أو المجتمعات العربية ذات الأكثرية الشيعية، وتنحي الخطاب الديني التدخل في هذه المسألة.
فالمشاكلة بين الشيعة والسنّة هي مشاكلة فكرية يجب أن تخرج من عباءة الدين حتى يرى الحل النور.
* وكما قلت في وجوب ضبط تأطير للمفهوم الذي تتحرك في ضوئه حقوق الإنسان، فنحن أيضا في حاجة لضبط تأطير لحركة مفاهيم مثل الناشط الحقوقي أو الناشط السياسي أو الناشط الثقافي، أو المعارض السياسي أو المعارض الثقافي.
فهذه المفاهيم التي تتحرك من خلال أيديولوجية موجه هي مُهلكة للمجتمع والشعوب، كما أنها حجة قد تفتح الباب على مصراعيه لكل مروّج فتنة أو فساد، وقد أصبحت اليوم قناعاً يتستر به كل إرهابي ومُهدّد لأمن الوطن.
كما أن كثيراً منهم أصبح سلعة مسبوقة الدفع من قِبل جهات خارجية تسعى لزرعهم كشوكة سامة في خاصرة المجتمع لدفع المجتمع إلى فتنة طائفية وسياسية.
وهذا لا يعني أنني أدعو إلى إقصاء الرأي الآخر، أو الحجر على حرية الفكر والاعتقاد أو اضطهاد أصحاب الانتماءات الأقلية، لكنه يعني أن تكون مصلحة الأمن القومي للوطن وسلمه الاجتماعي أولاً وقبل كل شيء، ففي ضوء تلك الحتمية تتلاشى كل مصلحة خاصة.
حفظ الله ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وحمى الله وطننا من شر وفتنة الإرهاب.