حين فشلت غرزة السلسلة والسراجة ومطرزاتي البائسة أن تطيل عمر الصبر لأكثر من أسبوع، وبعدما عجزت عن حياكة وشاح الصوف، عثرت على تدريب آخر للصبر! بدأت بإعداد تقويم العام الجديد على صفحات ذات مربعات كبيرة، تشبه لوحة الشطرنج لكنها بيضاء وبيضاء، وبلا جياد ومحاربين سواي! أرسم الحروف بالمسطرة، وأحاول ضبط زوايا العالم المنحرفة بامتياز. هذه وصفة جديدة لحساب الأيام التي تمر ولا تمر!
أستخدم القاموس طاولة ومتكأ، أحاول صف حروفي الجديدة بإتقان رغم قفزها فوق السطر أحيانًا وتحته أحيانًا أخرى، تهرب من أقلامي المبريّة جيدًا مثل أقلام التلميذة التي كانت تنافسني على المركز الأول، أو يتحول القاموس إلى وسادة أسند عليها أحلامي التي بلا لون. لا يطير القاموس، يطير صوتي فقط مشرعًا على حبال غسيل الجارة النظيف، ويعود مهترئًا مثل مشابك من خشبٍ متروكة تحت المطر!
أقلّب صفحات تقويم العام المنصرم بضجر، أحسب الأيام التي علّمتها باللون الأحمر لأعيد تلوينها في تقويمي الجديد بلون مختلف. لونت المربع الذي يشير إلى يوم ميلادي- دون اكتراث كبير باللون- مع أنه لم يعد مهمًا، فلم أعد أشعل فيه الشموع منذ أن تجاوزت السابعة بكثير!
ينقر نافذتي سؤالٌ عن «برنامج اليوم» كلما أزحت الستار لتدخل الشمس أو حبات المطر أو حتى ذرات الغبار، وأعرف أن علي حساب الساعات التي سأقضيها في القراءة وفي تدوين بعض الملاحظات التي ليس لها أهمية، وتلك التي سأسرقها من زحمة اللحظات الفارغة لأنهي تلوين غلاف المفكرة الجديدة بألوان مكررة، و أستثني من ألواني العشرة اثنين فقط لم يبق لهما مكان في غمرة الصفحة البيضاء!
يمكن لأكياس الشاي أن تكون عدّادًا مناسبًا للأيام، أو «ملاعق قهوة بروفروك»، أو الأحلام والأسماء والوجوه، أو بذور التفاح الأخضر المقضوم في الليلة الفائتة، أو النقاط على ظهر الدعسوقة التي تحبها صديقتي، أو الأحرف المكتوبة على زجاج السيارات الملوثة بالتراب وأكياس البلاستيك المنثورة في الباحة القريبة، أو ضغط الأسنان ونوبات الأرق والصداع، ما دام عدّ النجوم والخراف القافزة برشاقة أمرًا لم يعد متاحًا في مدن الإسمنت. ياه! لم أكن أعلم أنني محاطة بكل هذه الخيارات في محاولاتي المستمرة للتدرب على الصبر»الجميل» بدلًا من استماتتي في تعلم غرزة البطانية عبثًا!
أحارب ذاكرتي كي لا تجبرني على كتابة بيت الشعر الردئ الذي حفظته لسنوات طويلة في المفكرة الجديدة، ربما لا تعلم بعد أني أحاول صنع ذاكرة أخرى من حديد ليس فيها موضع لكل ما سبق!
ما تزال الصفحات ممهورة بظلٍ بعيدٍ لا يكفّ عن الاستطالة.
- بثينة الإبراهيم