خيانة الرخاء ">
الرخاء بقدر ما هو نعمة تستحق الشكر، إلا أنه وقت الأزمات؛ يتحول إلى خائن، يغدر بمن اعتاد عليه؛ فيقل صبره عند أول اختبار، وقد ينهار! لذا نجد أن أبناء الأزمات، والشدائد أشد بأساًَ من غيرهم كُلّما اقتضت الحاجة.
في الأوطان الآمنة، وغير الآمنة؛ لا بُدَّ من وجود صورة الابن العاق لوطنه.
وهذه الصورة البشعة، تزداد قبحاًَ كلما كان الوطن آمنا مطمئناًَ، وتزداد قبحاًَ وبشاعة إذا صدرت من رجل معافى في بدنه، آمن في سربه، يملك قوت يومه.
عندما أذيع خبر عجز الميزانية هذا العام حدثت ضجة عارمة، لا تخلو من التشفي من بعض الإخوة العرب الذين لا يعلمون حقيقة ما يتمتع به المواطن حتى في أحلك الظروف عجزاًَ. كذلك الحال من بعض المواطنين الذين يتمتعون بسواد داخلي فائق الجودة لأسباب تخصهم!
وعلى أن الميزانية مرت بعجز أكبر من هذا العجز في سنوات مضت، وتحت ظرف ما، نزل فيها سعر البترول إلى ما دون تسعة دولارات، وزاد فيها سعر البنزين، لم نمت جوعاًَ! فما سرّ علو الصوت الآن، هل هي خيانة من خيانات الرخاء؟!
إنّ إتاحة الصراخ بصوت عالٍ في مواقع التواصل؛ جعلت (شقراء) تركض مع الخيل بكلّ بلاهة، مما يدلل على أن بعض شعبنا الكريم مدلل، ومرفه بجدارة!
أكاد أجزم بأن السعودية - رغم كثرة عدد سكانها، واتساع مساحتها - واحدة من الدول القلائل التي لا يمكن أن تمسّ الراتب الأساسي للمواطن، أو حتى تؤخره على الرغم من كلّ عجز، وهي التي تؤمن بـ» أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه». ربما توقف البدلات، وخارج الدوام، أو تقلل المصروفات؛ لكن أن تأخذ من راتب المواطن الأساسي، أو تؤخره إطلاقا لم يحدث، و- بإذن الله - لن تضطرها الظروف لكي يحدث.
كثير من الذكور - وأنا عندما أقول ذكورا أُنحي كلّ رجل غيور من أبناء وطني - عن لومي هنا فليس كلّ ذكر رجلا!
حديثي عن النوائح المستأجرة؛ التي تولول لارتفاع سعر البنزين في ظروف الحرب، لبلد لم تجبر مواطنيها على التجنيد كبقية دول الجوار!
هذه الفئة التي أخذت تلطم ناسية أن الرازق هو الله، لم تتذكر حتماًَ الملايين التي دفعت لأهالي شهداء الوطن من ضحايا تفجير المساجد سنة وشيعة، لم تتذكر فداء الوطن لأرواح ضيوف الرحمن الذين قضوا نحبهم تحت خطأ غير مقصود من شركة لم تعبأ لأرواح جاءت من أقصى الأرض للقاء الله.
لم تتذكر راتب الشهرين التي منحت لنا إبان تولي الملك سلمان للحكم.
الأنانية في حب الأوطان لا تجوز!
ليس من المروءة أن نأخذ دون أن نعطي، وليس من المروءة أن يخوض الوطن حربا سامية للحفاظ على حدوده، ويجلس رجاله برفاهية ، يولولون أمام القاصي والداني في مواقع التواصل التي لم يثنهم غلاء الأسعار، وعجز الميزانية عن دخولها.
وأخيرا: الحمد لله أنّ الرّجال في وطني كثير، يستحقون من يفخر بهم، وأن عددهم يفوق عدد الذكور القابعة خلف الشاشات كالنوائح المستأجرة.
- د. زكية العتيبي