جُرم ميليشيا الحوثي وصالح يطول مستشفيات تعز.. والمرضى يموتون على أبوابها ">
تعز - بشير عبدالله:
لم يجد صالح مسعود محمد الذي يسكن في حي «عصيفرة» وسط مدينة تعز ما يمكنه القيام به لإنقاذ حياة زوجته وأم أطفاله الخمسة وهي تتألم وتصارع الموت نتيجة التهاب في الزائدة الدودية سوى الخروج بها بعد منتصف الليل ليحملها فوق ظهره لعدم توفر سيارة تقلهما إلى أقرب مستشفى، فخرج من منزله تاركًا أطفاله نيام وهو لا يدري إلى أين يذهب وهل سيعود سالمًا معافى مع زوجته أم ستطالهما قذيفة طائشة أو رصاصة غادرة من قبل ميليشيات الحوثي وصالح، فقرر الاتجاه صوب مستشفى الثورة عله يستطيع فيه أن ينقذ زوجته، وبعد عناء ومشقة تمكن من الوصول إلى مقربة من المستشفى غير أن مجموعة من المسلحين الحوثيين اعترضوا طريقه ومنعوه من المضى في طريقه نحو المستشفى لإنقاذ زوجته، ولم يرثوا لحال زوجته التي تتألم بشدة وهي تلتوى كالأفعى من شدة الألم، رجع من حيث أتى، غير أنه تذكر طريقًا آخر يمكن من خلاله الوصول إلى المستشفى فتسلل في جنح الظلام باتجاه المستشفى ليصل بعد مشقة وعناء إلى المستشفى ليبلغه أحد الموجودين عند مدخل المستشفى أن أقسام الطوارئ والجراحة مغلقة ولا تستقبل أية حالات، فرج خائبًا ودفعت زوجته الثمن إِذ توفيت صبيحة ذلك اليوم.
قصة صالح وزوجته لم تكن الأولى ولا الأخيرة فقد سجلت خلال أسبوع نحو 15 حالة وفاة لمرضى معظمهم نساء وأطفال ماتوا نتيجة غياب الخدمات الصحية وعدم توفر الاكسجين والأدوية ومستلزمات إنقاذ الحياة في بعض المستشفيات.
مستشفى الثورة الحكومي أكبر مستشفيات مدينة تعز أعلن عدم قدرته على تقديم الخدمات الطبية للجرحى والمرضى الذين يواجهون حرب إبادة من الميليشيات الانقلابية. وقد أفاد بيان صادر عن المستشفى بأن أقسام الطوارئ والجراحة لن تستقبل أي حالات جراء نفاد الأدوية ومادة الأكسجين.
ويقول المدير الإداري لمركز الطوارئ في المستشفى د. نشوان الحسامي إن الميليشيات الانقلابية تفرض حصارًا وتمنع دخول أي مواد طبية أو مستلزمات إلى وسط المدينة، مبينًا أن الوضع الطبي كارثي بمعنى الكلمة.
حمامة يوسف فارقت الحياة قبل أيام، بعد ساعات من إصابتها بشظايا في صدرها نتيجة قذيفة اطلقتها ميليشيا الحوثي وصالح صوب منزلها في منطقة شعب الدباء بتعز، أُسعفت حينها على دراجة نارية، صوب مستشفى الثورة الحكومي، وجراحها ينزف وهي تصرخ وتتألم، الأطباء في المستشفى لم يستطيعوا أن يفعلوا لها شيئاً لوقف النزيف وإزالة الشظايا بسبب عدم توفر الأكسجين، مكتفين بإجراء الإسعافات الأولية، وأحالوها إلى مستشفى الروضة، الذي نقلت إليه علها تجد فيه ما ينقذ حياتها غير أنها أخرجت منه لنفس السبب، لتنقل بعده إلى مستشفى الصفوة العام فاعتذروا أيضًا عن استقبالها لنفس السبب، ثم أسعفت بعدها إلى مستشفى الحكمة ليعتذروا أيضًا للسبب نفسه، فتنقل بعدها إلى مستشفى الأمل الذي كان هو الآخر بلا أمل، ومن ثم إلى مستوصف الشرق وجميعها مستشفيات خاصة بلا أكسجين، محطتها الأخيرة كانت مستشفى الجمهوري ثاني أكبر مستشفيات تعز الحكومية، حيث وصلت إليه وهي تنزف وتتألم وتصارع الموت وتستغيث بأن ينقذوا حياتها غير أن الموت كان هو الأقرب والأرحم، لأن الأطباء لم يستطيعوا عمل أي شيء لها لأن المستشفى أيضًا بلا أكسجين.. ماتت حمامة وارتقت روحها إلى بارئها، ومات معها ما تبقى من أمل لدى من حولها.
الأطباء في تعز يطلبون قوات التحالف العربي التي نجحت قبل أسابيع في تنفيذ عملية إنزال لأدوية ومستلزمات طبية في مدينة تعز التي تحاصرها الميليشيا منذ عدة أشهر، التدخل لإنقاذ تعز من كارثة إنسانية محتملة وذلك بتعزيز المستشفيات فيها بكميات من الأدوية والمستلزمات الطبية وأسطوانات الاكسجين من خلال عمليات إنزال متعددة لتغطية احتياجاتها حتى تتمكن من تقديم خدماتها الطبية بشكل اعتيادي للسكان والجرحى.
مصادر طبية ذكرت لـ «الجزيرة» أن معظم مستشفيات تعز لا سيما مستشفى الثورة الذي يتعرض إلى جانب منع وصول الإمدادات الطبية إليه إلى استهداف مباشر بقذائف الميليشيا تمر بوضع سيئ للغاية وتعجز عن تقديم الخدمات الطبية وإنقاذ حياة الناس.
المصادر ذاتها ذكرت أن الميليشيا قصفت مستشفى الثورة العام بتعز أكثر من 122 مرة والحقوا أضرارًا بالغة بمكوناته المختلفة، كما أدى القصف إلى إصابة بعض الكوادر الطبية والمرضى، كما استهدفت الميليشيا العديد من المستشفيات الأخرى في المدينة بنيران أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة في مسعى منهم إلى إجبار هذه المستشفيات على الإغلاق وتوقفها عن تأدية خدماتها الطبية لجرحى المقاومة وأهالي المدينة الصامدين، في حين تواصل الميليشيا فرض حصارها المطبق على المدينة ومنع دخول الأغذية والأدوية إليها.
مآسٍ عديدة شهدتها تعز في الأيام الماضية منها مأساة الشاب محمد الشهابي، الذي مات طفله المولود أمام عينيه لأنه لم يجد له حضانة في أي من مستشفيات المدينة بسبب عدم توفر الأكسجين، ومأساة عبدالعزيز حميد الذي أصيبت ابنته اعتصام بشظية وهي تجلب الماء وماتت أمام عينه أثناء محاولة فاشلة لإسعافها إلى مدينة عدن فماتت في الطريق، ومأساة غادة أحمد قائد أم لثلاثة أطفال ماتت متأثرة بجراحها بعد أن إصابتها رصاصة قناص في صبر الموادم بتعز، كانت قد أسعفت حملا على الأكتاف قرابة ثلاث ساعات لتصل إلى أحد مستشفيات المدينة وتموت فيها لأن الأكسجين غير متوفر ولا أدوية منقذة للحياة فيها.
منظمات طبية محلية ودولية منها منظمة «مواطنة» اليمنية، منظمة «أطباء بلا حدود» الدولية ومنظمة الصحة العالمية وغيرها عبرت في بيانات لها عن قلقها البالغ لعدم وصول المساعدات الطبية والإنسانية إلى تعز، مطالبة ميليشيا الحوثي وصالح بسرعة الاستجابة لنداءات الاستغاثة العاجلة ورفع الحظر الذي تفرضه على دخول الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد التشغيلية للمستشفيات خاصة الوقود والأكسجين.
أطباء وشباب بتعز، نفذوا قبل أيام وقفة احتجاجية أمام هيئة مستشفى الثورة، منددين بتجاهل العالم لمعاناة المحافظة جراء نفاد الأدوية والأكسجين والمستلزمات الطبية.. ونددوا بتجاهل العالم لمعاناة المدينة ومستشفياتها. ووجهوا نداء استغاثة للحكومة والمنظمات المحلية والدولية لإنقاذ تعز من كارثة إنسانية حقيقية محتملة تتهدد أرواح آلاف البشر.