لبنى الخميس
في وقت تاريخي تمر به المملكة في قيادتها لقوات التحالف ضد الحوثيين في اليمن لاستعادة الشرعية، ووسط بقعة «شرق أوسطية» مضطربة ومشتعلة بصراعات وحروب ضروس.. لا تزال المملكة تولي اهتماماً واضحاً بتنمية الداخل السعودي، وإطلاق مشاريع وخطط تعنى بتطوير أرضها و»إنسانها» مدركة أن النصر الحقيقي لأي أمة يبدأ من داخلها.
هذا ما استشعرته بعد قراءة خبر موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على إطلاق برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية الذي يهدف إلى رفع جودة أداء الموظف الحكومي وانتاجيته بالعمل وتطوير بيئة العمل، إذ سيتم تطبيق المشروع بشكل تدريجي ليشمل في فترته الأولى وزارات ذات أهمية قصوى مرتبطة بتنمية الوطن والمواطن وتحسين صورته خارجياً وداخلياً مثل: وزارة العدل والشؤون الاجتماعية والخارجية والثقافة والإعلام وغيرها.
وقد يتساءل البعض في ظل مشكلة البطالة المتفاقمة، وتجذر الفساد في المؤسسات الحكومية، وحالة الإحباط التي يمر بها الموظف الحكومي جراء البيروقراطية والروتين وتردي بيئة العمل ما الذي قد يضيفه هذا المشروع؟ وهل هو مجرد «رتوش» على وجه أكل عليه الدهر وشرب؟ الإجابة قطعاً لا، حيث تعد هذه المشاريع فرصة ذهبية للتخلص من سطوة النفط على «التنمية الأسمنتية» مقابل تراخي وإهمال «التنمية البشرية» خصوصاً تلك التي تلي مرحلة التخرج من الجامعة. كما أن هذا المشروع سيعيد تحريك المياة الراكدة داخل الوزارات، عبر ضخّ معارف وخبرات جديدة بين الموظفين الذي سيشملهم البرنامج، ما سيسهم في إعادة التحفيز وإشعال جذوة الحماس للابتكار والتغيير داخل تلك الوزارات. دون أن نغفل أهمية مواكبة ما يقدم عالمياً من مفاهيم جديدة متعلقة بالتنافسية والابتكار الحكومي والريادة الاجتماعية. فمواكبة تلك الممفاهيم وتأملها عن كثب، ومتابعة كيف حقنتها بعض الدول داخل أروقتها الحكومية، لا يجعل الموظف الحكومي مطلع بما يجري عالمياً فحسب، بل يردم الفجوة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص المتابع والمواكب لهذا التطور العالمي، ما قد يزيد من فرص إقبال الشباب مرة أخرى على الوظائف الحكومية ليس بحثاً عن الأمان الوظيفي بل طمعاً في تجربة مهنية/ معرفية ثرية.
الاحتفاء بمثل هذا المشروع والتنبؤ بخيره الوفير على الوطن والمواطن أمر جيد بلا شك، لكن قياس أثره على أداء الموظف لاحقاً، ومراقبة المرحلة الجنينة للمشروع لتعزيز إيجابياتها وتجنب سلبياتها أمر بغاية الأهمية، ولن يتم ذلك إلى عبر الاستماع إلى الموظفين المنخرطين في البرنامج لإدارك التحديات التي تواجههم قبل وبعد الدخول في البرنامج، بالإضافة إلى متابعة أدائهم الوظيفي بعد انتهائهم من البرنامج من خلال انطاباعات مديريهم عنهم في العمل. كل ذلك كفيل في إنتاج تجربة واعية لكافة عوامل نجاحها وفشلها واستمراريتها وانقطاعها، لقطف الثمار المرجوة من هكذا مشروع.
ومن هذا المنبر، أطالب القائمين على إدارة برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية، بأخذ إشراك المرأة السعودية في هذا المشروع بعين الاعتبار، كونها شريكاً أساسياً في عملية التنمية، عبر أدوراها المتعددة والمشرفة في تأسيس نهضة وطنية شاملة ابتداءً من فصول المدرسة داخل المدن الكبرى وعلى أطراف القرى النائية، وامتداداً لدورها كطبيبة وعالمة وأدبية ومحاضرة جامعية، وانتهاءً في إسهامها في تشكيل الرأي العام وصياغة القرارات داخل مجلس الشورى والغرف التجارية، وأخيراً بصفتها مرشحة ومنتخبة في المجالس البلدية.
هذا التوجه الحكومي في الاستثمار البشري بصفته رأس المال الذي لا يبور، وتمكين المواطنين عبر خلق منصات تواصلية بين موظفي الوزارات، وفتح قنوات لتدفق المعرفة في عروق المؤسسات يضع مسؤولية كبيرة على عاتق الموظفين ليكونوا بحجم الحدث وبمستوى الطموح، وليبذلوا السبل جميعها ليكونوا على أهبة الاستعداد للقيادة والتطور والابتكار.
«الحكومات أولى من غيرها في تبني منهج الإبداع، فالإبداع في الحكومة يطور خدمة ويبني إنساناً ويعمر دولة»
- الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم