جاسر عبدالعزيز الجاسر
تنفيذ الشرع، ومن دولة قامت على الشريعة الإسلامية، يُعَدُّ من الأسس التي ليس فقط من الواجب تنفيذها، بل العمل على تعزيزها والحث عليها. ومن الأبواب التي اهتمت بها الشريعة باب الحقوق والواجبات، التي منها يستمد القضاء أساس العقوبات التي وُضعت للحفاظ على حقوق البشر، والتمسك بالواجبات. فالعقوبة في الشريعة الإسلامية هدفها - قبل كل شيء - حفظ الحقوق، حقوق الأمة.. والمطلوب ممن آل إليه أمر الرعاية الحفاظ عليها، وكذلك حقوق الإنسان العادي بمعاقبة من يجور على تلك الحقوق. وتُفرض العقوبة بمستوى الجريمة المرتكبة. وتفصِّل الحدود في الشريعة كيفية التعامل مع مرتكب الجرم، سواء بحق الأمة أو الفرد؛ ولهذا فإن تنفيذ الحدود في الإسلام يُعَدُّ أمراً واجباً، لا يمكن التخلي عنه، ولا التلاعب به. ويقاس مدى التزام الدول التي تحتكم للشريعة بدرجة تنفيذها للحدود التي فصَّلتها الشريعة بدقة متناهية؛ ولذلك فإن أحكام «التعزير» - ومنها القصاص والقتل وسلب الحريات - لا يمكن أن يتم الفصل فيها إلا بعد سلسلة من الإجراءات القضائية التي تبدأ بالنظر أمام المحكمة الأولية، ومن ثم محاكم الاستئناف، وبعدها المحكمة العليا، وبعد كل هذا لا يتم التنفيذ إلا بعد التصديق عليه من ولي الأمر، الذي يستعين بعدد كبير من المستشارين الشرعيين والقضاة.
هذه السلسلة من التقاضي تجنِّب أيَّ حكم - وبخاصة التعزير بالقتل - أيَّ عوار قضائي أو شرعي.
وفي الأحكام التي نُفِّذت أمس بسبعة وأربعين إرهابياً مخرِّباً نظر فيها وحكم بها ثلاثة عشر قاضياً، جميعهم من قضاة الاستئناف. وبعد أن اطمأنوا إلى سلامة ما اتخذوه من أحكام رُفعت تلك الأحكام إلى المقام السامي، الذي يتخذ قراراته في مثل هذه الأمور مستنداً إلى آراء عدد من المستشارين الشرعيين والقضائيين المعروف عنهم مكانتهم العلمية والاعتبارية وخبراتهم العملية.
إذن، الأحكام مرَّت بسلسلة من الإجراءات، تحصنها من أي شُبَه أو عوار، فضلاً عن أن المنفَّذ بهم الحُكم قد مُكِّنوا من كل إجراءات التقاضي، بدءاً من الحصول على محامين، وتمكينهم من الرد على ما وجَّهته إليهم المحكمة من إدانات موثقة بوقائع لم ينكروها.
هذا هو حُكْم الشريعة الإسلامية المحصَّن بقضاء شرعي مستقل، الذي لم يفرِّق بين مَنْ يقف أمامه، ولا ينظر إلا إلى ما يقدَّم إليه من أدلة ووقائع، ولا يؤثر على مَنْ ينظر الدعوى انتماءٌ مذهبيٌّ أو عرقيٌّ؛ وبالتالي فإن مَنْ يعارض هذه الأحكام هو معارِض ورافض للشريعة الإسلامية، يُعامَل معاملة المرتد والخارج عن الملة الإسلامية.
تنفيذ أحكام القصاص والتعزير بهؤلاء الإرهابيين المخربين هو تنفيذ للعدالة الربانية، التي تؤكد أن القاتل يُقتل. ومَنْ نُفِّذ بهم القصاص العادل سفكوا الدماء، وحرضوا على القتل وتخريب المنشآت العامة والخاصة، ومنهم من اشترك في تنفيذ العمليات الإرهابية التي أدت إلى قتل الأبرياء، وآخرون شاركوا في قيادة الأعمال التخريبية من تظاهرات وتحريض، أدت إلى زهق أرواح المدنيين.
مثل هؤلاء الذين امتهنوا القتل والتحريض على القتل هم حتماً يطولهم باب الحرابة في الشريعة الإسلامية، وهم أناس يسعون إلى قتل الأبرياء وإزهاق أرواح الآمنين. وقد توعَّدهم الله بأن مآلهم القتل؛ فقد أوصلتهم أعمالهم الإجرامية إلى ما كانوا يوعدون. أما مَنْ يتباكون عليهم لأسباب طائفية ولأطماع عنصرية فبالتأكيد هم جهات مشاركة في أعمالهم الإرهابية، وهم جهات داعمة للإرهاب. وقد استغرب العالَم أجمع أن يقوم الناطق باسم وزارة خارجية نظام إيران بالاعتراض على تنفيذ الحُكم بإرهابي شارك في تنفيذ أعمال إرهابية، وحرّض على قتل الأبرياء، وكأنه يقدم الدليل على إسهام نظامه في العمليات الإرهابية التي تتم في الدول العربية المجاورة، التي ينفذها أتباع هذا الإرهابي الذي تباكى على مصيره كل الجماعات الإرهابية، سواء في اليمن من الحوثيين أو الطائفيين في العراق ولبنان والبحرين.