فاطمة العتيبي
كنت أرقب الشمس حين رافقتها فجر 30 يناير 2015 متجهة نحو أمريكا، في دورة تدريبية.. رافقت الشمس وأبرمت معها عهدا أرقبها وأنتظرها وأتوق لما تجلبه لي من شموس صغيرة أستدخلها في قلبي لتمنح أوردته مزيداً من الدفق والحياة!
سافرت كثيراً لكن شوقي لروائح نجد العذية لطالما أعادتني قبل أن أكمل المدة المقررة.. فكيف بعام كامل؟
لكنها هبة جميلة من وطني، تجربة ثرية ليس على صعيد اللغة بل على صعيد التنوع الثقافي! الإقامة في أمريكا تجعلك تلتقي بكل الأعراق والثقافات والديانات، ولَك أن تهب نفسك فرصة التعرف على هذا الخلق الذي شكله الله سبحانه بصور وأراء وسلوكيات واتجاهات ورغبات وطموحات وأهداف مختلفة، انصهرت كلها وأنضوت تحت لواء القانون لاتبغي أحدها على الأخرى ولايغمط فيها حق ضعيف أو فقير، الكل متساوون أمام القانون!
لن تجد صعوبة في التعامل مع كل هذه الفسيفساء البشرية المتداخلة، بل ستجدها أبسط بكثير مما تتصور!
لكنك تحن إلى هيئتك الأولى
إلى أرض معادك
إلى صحرائك التي يرونها حلما سيرياليا موغلا في الغموض بينما تغني أنت مع درويش:
علّقوني على جدائل نخلة
واشنقوني.. فلن أخون النخله!
هذه الأرض لي.. وكنت قديما
أحلب النوق راضيا وموله
وطني ليس حزمة من حكايا
ليس ذكرى، وليس حقل أهلّه
ليس ضوءا على سوالف فلّة
وطني غضبة الغريب على الحزن
وطفل يريد عيدا وقبلة
هذه الأرض جلد عظمي
وقلبي..
فوق أعشابها يطير كنخلة
علقوني على جدائل نخلة
واشنقوني فلن أخون النخلة!
كانت شمس الرياض التي أشرقت للتو تلوح لي في شتاء ديسمبر البارد وتقول لي
أهلا بك في مدينة لا تهدي مفاتيحها إلا لمن عشق تفاصيلها
سمعتني وأنا أوقظ الرياض
آه ما أرق الرياض
آه ما أجمل الرياض
تجربة الشوق والوله حتى لو كنت حاضرا في قلب أحداث وطنك تكتب، وتشارك وتدلي برأيك في مختلف قضايا وطنك، تجتهد بحثا عن سبل جديدة تسهم فيها مع كل أبناء وطنك لتنمية هذا العزيز الذي تاقت نفسك لرؤياه وأدخلك البعد عنه في حالة غريبة من اغتراب الجسد والروح وافتقاد العين لرؤية صباحات الوطن وليله المسدل وأقماره المتناثرة هنا وهناك مما يؤدي بك إلى الوقوع في حالة عطش فيزيائية حقيقية كتلك التي شعرت بها وأنا ذات أربع سنوات حين تهت من أهلي في ديار أخوالي (العضيان)، حيث ما زلت أذكر كيف كاد العطش يقتلني قبل أن يهب لي رجل كريم شربة ماء ويصيح بأعلى صوته في أهلي وعشيرتي: أبشروا بها أبشروا بها.
الاغتراب هو حالة عطش أخرى... لاترويها إلا بشارات العودة إلى الوطن!