علي الخزيم
ستكون الأمثلة المختارة هذه المرة (مسجد الراجحي مخرج 15 ومقابر النسيم بالرياض) فيمكن لذوي المتوفى حال وفاته بالمستشفى (مثلاً) التواصل مع مغسلة الأموات بالمسجد ليجدوا التجاوب المباشر دون أي تردد ولا مبررات، يَعْرضون عليك خدماتهم حتى باستلام الجثمان من الجهة المختصة بالمستشفى والبدء فوراً ببقية الإجراءات، قادني الفضول للدخول ذات يوم لصالة غسل الأموات؛ فرأيت ما يسر أهل المتوفى ويجعلهم في حال من الاطمئنان على أن قريبهم المرحوم بإذن الله بأيد امينة، رأيت بمغسلة الرجال منصات مرتفعة كالسرر الفسيحة بينها حواجز متحركة ليكون كل سرير كالغرفة أثناء الغسيل مجهزة بخراطيم للمياه، وتصريف كامل للماء بحيث تبقى الأرضية ناشفة والعمال يجتهدون كلٌ في شانه، وهناك خِزَانات للأكفان والفوط والقطن والمناشف وأغطية الجنائز حتى البشوت لمن أراد أن يُغطي الجنازة بالبشت، وتتوفر بالخزانات كميات من المسك والعنبر والعطور المعتادة لمثل هذه الحالات دون مقابل، كل ما تعرفه وما لا تعرفه متوفر فالقائمون على المغسلة لم يتركوا مجالاً لنسيان شيء أو فرصة للاستذكار، فكل ما تتطلبه عملية الغسل والطيب والتكفين وما يتبعها متوفر، ولا داعي للحرج والقلق، هم يعملون بإخلاص ولطف كبيرين، ثم تنقل الجنازة لمكان مخصص للجنائز أمام المصلى تُصَفّ بجانب بعضها النساء والرجال والأطفال كل في صف أو مجموعات وبأرقام مؤقتة للتعرف عليها بعد الصلاة من قبل ذويهم، وبعد الصلاة ترى سيارات نقل الموتى للمقبرة تصطف أمام بوابة خروج الجنائز من جهة القبلة، ولكن هنا يبدأ إرباك النظام من ذوي المتوفين فكل أناس يلتقطون متوفاهم بطريقة شبه فوضوية الى حدٍ ما؛ وكأنهم في سباق مع الآخرين مع أن الطريق واحد والمقبرة واحدة، وللميت كرامة واحتراماً، لكن يأبى البعض إلا أن يمارس الفوضوية والعراك حتى في حمل ونقل الجنائز.
وعند توجهك لسيارتك بمواقف المسجد لتستقلها الى المقبرة لتشييع الجنازة ربما تجد أحدهم وقد قفل عليك بسيارته لأنه لم يُكَلّف نفسه المشي خطوات فهو يُصِرّ على الوقوف بأقرب نقطة لمدخل المسجد، فتنتظره على مضض ثم يأتيك مبتسماً وهو يمضغ شيئاً مما اشتراه من الباعة الذين يَحْتلّون بمباسطهم مساحات من مواقف المسجد ويُضَايقون الآخرين، ثم يقول): معليش اخّرناك، والله حتى أنا مستعجل بس أعجبني السكري والكليجا)، إذاً فكثير من المرافق والمنشآت مُنَظّمة ومُيَسّرة ونحن غالباً من نُحْدِث الفوضى والإرباك.
في مقابر النسيم (قلت إنها كمثال) تبرز الفوضى الحقيقية ومع (تعدد الجنائز) فكل يوقف سيارته ثم يبدأ الناس وكأنهم في حراج كُلٌ يسأل: هل هذه جنازة فلان؟! فيجيبه الآخر: والله ما أدري لكن ما تعرف وين جنازة أم فلان؟! وتلاحظ كميات الغبار المُتطاير من وقع أقدام المُشَيّعين وجريهم ذهاباً واياباً بين تجمعات الدافنين للوقوف أمام قبر قريبهم.
أكرر النداء لأمانة الرياض والبلديات المعنية بأن تسعى (بما تراه) لتنظيم المقابر وترقيم الجنائز والقبور حتى دفنها تسهيلاً للمُشيّعين ففيهم المُسِن والمريض والمكلوم.