قانونيون: «بيع الدليل» كلام غير قانوني ومخالف للائحة ويفتح باب الابتزاز وإلحاق الضرر بالآخرين ">
كتب - سامي اليوسف:
جملة من التغريدات التي أطلقها رئيس لجنة الانضباط في الاتحاد السعودي لكرة القدم خالد البابطين عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أول من أمس كانت مثار جدل واسع بين مشجعي الأندية المحلية، وكانت الأكثر جدلاً تلك التغريدة التي كتب فيها: «للمشجع الحق في بيع الدليل على الخصوم، كأن يقتنص تسجيل فيديو يثبت المخالفة تمهيدًا لبيعه على المدعي أو المشتكي وكل من له مصلحة في ثبوتها».
تغريدة البيع، إن جاز التعبير، تلقفها عديد من القانونيين بمزيدٍ من الانتقاد، فقد علّق المستشار القانوني أحمد المحيميد لـ«الجزيرة»: «تغريدة رئيس لجنة الانضباط حول دعوة المشجعين لبيع مقاطع التصوير لاستخدامة دليلاً ضد أو مع الخصوم اجتهاد شخصي منه لا يدعمه دليل، أو نظام، وهو مخالفة صريحة للائحة الانضباط التي أفردت الباب السادس عن الفساد واعتبرت المادة 72 - 2 أن الاغراء أو قبول الوعد أو المصلحة غير المبررة من ضمن الفساد السلبي المعاقب عليه بموجب اللائحة ذاتها، والمادة بغرامة لا تقل عن مليون ريال مع الحرمان والمنع».
وأضاف: «ربما تتسبب هذه الدعوة في إشكاليات قانونية تتعلق بالابتزاز والفساد والمساومة، وربما تتعارض مع الأنظمة الأخرى، وخصوصًا نظام المحاماة الذي منع المحامي من شراء حقوق الخصوم وربما تفتح باب للتأمر والتحيز والمحاباة فضلاً عن تعارض دعوته مع أخلاقيات الرياضة ومهنة المحاماة».
تحذير وقائي
يتفق المحامي محمد بن عبدالرحمن الجدعان مع رأي المستشار المحيميد في وصف تغريدة رئيس لجنة الانضباط بـ»الاجتهاد»، ويقول: «ربما يكون الهدف منها مشاركة الجمهور في أمور اللجنة، أو من الممكن أن تكون رسالة من رئيس لجنة الانضباط يوجه فيها الحميع بأن يأخذوا الحذر من الوقوع في مخالفات لأن رصد المخالفة لم يصبح عن طريق الحكام أو عن طريق الناقل الرسمي فقط بل امتد للجمهور. وهنا تكون تغريدة وقائية».
وأردف «أن محاولة بيع المصور المحتوى للمخالف أو لأي جهة أخرى من وجهة نظري قد يفتح باب للمزايدة وباب للابتزاز والاستغلال. قد يقوم المصور ببيع المقطع لأكثر من شخص أو قد ينشره بعد بيعه، وقد يكون رئيس اللحنة أراد أن يحد من سرعة انتشار لقطات المخالفات في جميع مواقع التواصل الاجتماعي من خلال طريقة البيع».
ويختم الجدعان رأيه بالتأكيد على أن الهدف من مرة القدم التنافس الشريف والاستمتاع، ولكن بهذه التغريدة قد تفقد اللعبة هاتين الميزتين، وسيُصبِح حضور المشجعين لتصوير المخالفات، وربما للاستفزاز أو السب والشتم لكي تظهر ردة الفعل للمصور، بدلاً من الحضور للتشجيع والمساندة لفرقهم المفضلة».
سوء نية
ويجيب المستشار والمحكم القانوني في مملكة البحرين محمد جاسم الذوادي لـ«الجزيرة» عن سؤال جواز قيام المشجع بالتصوير في الأماكن العامة، واستخدام هذا التصوير كدليل وبيعه: «الأصل في التصوير في الأماكن العامة حسب أنظمة المملكة العربية السعودية متاح، ما لم توضع فيه لوحة تشير إلى منع التصوير. ولكن هذا الحق وإن كان مشروعًا، إلا أنه مقيد بحسن الاستعمال وعدم الإساءة للآخرين. وبالتالي لا يجوز للأفراد التصوير في الأماكن العامة المحظور فيها التصوير أو حتى تصوير الأشخاص أو الأملاك الخاصة دون استئذان، ومتى ثبت تعدي الشخص سواء بالتصوير في الأماكن الممنوعة أو تصوير الأشخاص دون استئذان يتم إحالة الشخص للجهة الأمنية المختصة بتهمة التعدي على حقوق الأشخاص أو الأملاك الخاصة أو العامة وفق ما تقتضيه كل حالة».
وزاد الذوادي: « بالتالي، فإن الرأي الذي نخلص إليه في الجواب على السؤال المطروح بأنه لا يجوز للمشجع بيع المادة المصورة على صاحب المصلحة كونه يعد مساسًا بحقوق الآخرين ويحمل سوء نية ومن شأنه إلحاق أضرار بالآخرين، فمتى حصل ذلك يجوز للمتضرر اللجوء إلى الجهات المختصة لاتخاذ الاجراء اللازم بحق الشخص المخالف ومطالبته بالتعويض إن كان له مقتضى في ذلك».
بحث عن متابعين
تعليقات المشجعين على تغريدات رئيس لجنة الانضباط في «تويتر» لم تذهب بعيدًا في مجملها عن آراء القانونيين، فقد تساءل عبدالله التركي: «هل يجوز لشخص خارج المنظومة الرياضية التقدم بشكوى للجنة الانضباط؟ أنا مسجل مقطع مين يدفع أكثر يأخذه، هذه تجارة ولا ابتزاز؟»، وكتب سعود المطيري: «يعني شغل عصابات مرتزقة!! عادي افتعل مشكلة، وانرفز لاعب أو إداري خصم ثم أصوره وهو يسب علشان أبيع الدليل عليك!!»، وألمح عبدالله الزويني أن رئيس لجنة الانضباط ربما بحث عن زيادة متابعين لحسابه في «تويتر» من وراء تغريداته المثيرة للجدل بقوله: «كثير من الأشخاص هدفها الأول كثرة المتابعين أو الرتويت وبآي وسيلة كانت.... ما يجوز انتهاك حرية الآخرين بالتصوير، كيف يبرر للآخرين بالتصوير وبالمساومة على المقاطع المصورة معقول يصل الموضوع للابتزاز».
وعلّق المغرد «الجهبذ» مؤيدًا لرئيس اللجنة: «هذه لجنة قانونية، ولا أرى مشكلة إذا تم فتح الباب للجميع، طالما الهدف تطبيق النظام وحفظ الحقوق»، وتساءل المغرد «النصر لايف»: كيف يتم فحص التسجيل ومعرفة الفبركة وغير ذلك في ظل التقدم التقني؛ أشوفها صعبة عليكم شوي!.. الناقل الرسمي هو المعتمد والمعوّل عليه».
بينما طالب البعض رئيس لجنة الانضباط بحذف تغريدة البيع.
إيجابية وسلبية
وتحدث لـ«الجزيرة» الثلاثي: أمين الراشد، وفهد العجاجي، وعلي الشمسان معلقين بين مؤيد ومنتقد. فقال الراشد: «فكرة البيع ممتازة، تجنب الخطأ قبل الوقوع فيه. ورسالة لكل منتمٍ للرياضة أنه يمكن أن تحاسب في أي مكان وزمان»، بينما ذكر الشمسان: «تغريدة رئيس لجنة الانضباط فيها تشجيع على الابتزاز وفبركة المقاطع من ضعاف النفوس».
ورأى العجاجي أن تغريدة البابطين إيجابية وذكية باقحام الجمهور لخدمة اللجنة والإحساس بصعوبة عملها، وكذلك الحد من التصرفات غير اللائقة، والحانب السلبي فيها أنها تفتح أبوابًا على اللجنة، وتصبح غير قادرة على الإيفاء بها، ويختم بتأكيده: «أعتقد أنه لن يتم الالتزام بهذه التغريدة إطلاقًا».
الإعلام ينتقد ويتساءل
من جانبه، انتقد الصحافي فارس المحيميد تغريدات رئيس لجنة الانضباط، واعتبرها أنها غير موفقة، وتؤكد أنه بعيد عن الوسط الرياضي لأن القضايا الرياضية تختلف عن غيرها، وأضاف: «باختصار.. «جاء بيرقعها.. أعماها»، لكن يظل الرئيس الحالي أفضل من سابقه على الرغم من عدم وضوح أيًا من أعمال اللجنة بسبب أنه جاء بلا ميول قد تؤثر على عدالة العمل».
وردّ المذيع عبدالرحمن الدحيم على تغريدات رئيس لجنة الانضباط متسائلاً: «عفوًا أستاذ خالد.. أنا فهمي بسيط جدًا هل هذا أمر قانوني أم اجتهاد من اللجنة؟».
وأفرد الكاتب الرياضي ناصر الجديع في مقالٍ له أمس جاء بعنوان: «أهدأ يا دكتور» جملة من الانتقادات للظهور الإعلامي لرئيس لجنة الانضباط خالد البابطين، ثم لتغريداته المثيرة للجدل، التي أطلقها عبر حسابه التويتري أول من أمس: «... سيكون بمنزلة تشجيع لثقافة الاتجار بالفضائح، وتأسيس وتشريع لصحافة (تابلويد) بمباركة قانونية، إضافة إلى الغرابة في طريقة الإعلان عن القرار عبر (تويتر)، بدلاً من أن يكون ذلك عبر تعديلات رسمية للائحة الانضباط يتم إقرارها بموافقة أعضاء اللجنة واعتمادها رسميًا من اتحاد القدم!».
فتح الباب للمشجعين
ويعود المستشار القانوني أحمد المحيميد ليوضح أن الجدل قائم حول لائحة الانضباط، التي تحتاج إلى إعادة صياغة قانونية وتحديث يمنع الاجتهاد خاصة أن اللائحة الحالية واسعة وتخضع للتفسيرات والاجتهادات، ويقول في هذا السياق: «ربما تخرج اللجنة عن هدفها الرئيس وهو ضبط المخالفات في كرة القدم إلى لجنة دعاوى وشكاوى رياضية لا تنتهي وليس من صالح الرياضة السعودية التوسع في عمل اللجنة بل يجب قصر دورها على مخالفات كرة القدم داخل الملعب تحديدًا، واحترامًا لدور الهيئات القضائية الرياضية الأخرى».
ويعلق ختامًا على فتح المجال للمشجعين للتقدم بالشكاوى للجنة بقوله: «هذه الدعوة غير نظامية وربما تكون تفسيرًا خاطئًا لما ورد في المادة رقم 116 - 2 من لائحة الانضباط الباب الثاني القسم الأول لجنة الانضباط
البدء بالإجراءات القضائية والتحري، التي نصت على (يجوز لأي لجنة أو شخص تقديم شكوى أو تقرير عن أي سلوك لا يتفق مع لوائح الاتحاد إلى الهيئات القضائية على أن يكون ذلك مكتوبًا) وربما اجتهد رئيس لجنة الانضباط بتفسير الشخص أنه المشجع أو أي شخص آخر، والحقيقة أن ذلك تفسير خاطئ حيث قيدت لائحة الانضباط في مادتها الثانية بأن الأشخاص المعنيين في اللائحة هم الأشخاص الخاضعون لها والمذكورون في المادة الأولى الخاصة بالتعريفات».
يذكر أن الاتحاد السعودي لكرة القدم قد أعاد تشكيل لجنة الانضباط في الثاني من ديسمبر الجاري بقرار بعد اجتماع المكتب التنفيذي جاء فيه: «تعيين خالد بن عبدالكريم البابطين رئيسًا للجنة الانضباط، وانضمام المستشار القانوني بندر بن عبدالهادي الحميداني للجنة إلى جانب أعضائها الحاليين، على أن يتم في أول اجتماع رسمي للجنة الانضباط تسمية نائب رئيس الرئيس».