إبراهيم السماعيل
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بدأت معالم مخطط الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة التي بشرتنا بها كوندوليزا رايس تتضح أكثر، وقد أقول إن معالم هذا المخطط ربما بدأت قبل الغزو الأمريكي للعراق أيام الحصار الغربي له وبرنامج الغذاء مقابل النفط، وربما بعد الغزو العراقي الغبي للكويت، وعندما نتفحص مع مَن مِن الشعب العراقي تحالف الأمريكان حينها لغزو العراق واحتلاله، نجد أن الحلفاء الأساسيين هم للأسف من العراقيين الشيعة الموالين لإيران تحديداً، وهذا يفسر لنا كيف ولماذا جرى في نهاية الأمر تسليم العراق بكامله لإيران عبر عملائها من العراقيين الطائفيين، مثل سيئ الذكر نوري المالكي وكيف جرى تهميش عرب العراق السنة واستثناء الأكراد من هذا التهميش الذي يفسر لنا أن هدف مخطط الشرق الأوسط الجديد هم العرب السنة فيه.
وبعد بداية ما يفترض أن يكون ربيعاً عربياً رأينا كيف جرى التآمر على هذا الربيع وتحويله إلى صيفٍ ساخن، ويكون أمر هذا المخطط أكثر وضوحاً لنا عندما نستعيد كيف اختطِفت ثورة الشعب السوري وكيف تآمر العالم كله لبعثرة أوراق هذه الثورة الشعبية العفوية العارمة وكيف جرى تطييف (من طائفية شيعية) هذه الثورة وكيف حصل تجريف سكاني وتطهير طائفي لمناطق بأكملها في سوريا من العرب السنة وإحلال المرتزقة الشيعة من عراقيين وأفغان وفرس وغيرهم مكان السكان الأصليين وما زال هذا التجريف يجري إلى الآن تحت سمع وبصر العالم الذي لم يحرك ساكناً حياله، بل والتعمد بإدخال الإرهاب المتطرف (السني) الذي غذاه وبرره حرب العصابة الحاكمة الطائفية في سوريا وحلفائها من الأقليات على الشعب العربي السوري السني تحديداً، وقد ساهمت عصابة الأسد مساهمةً أساسية وتواطأت معها الدول الكبرى في إدخال الإرهاب (السني) إلى الكارثة السورية للوصول إلى ما نراه اليوم من تحويل الثورة السورية من ثورة شعب أراد الحرية والكرامة إلى حرب زائفة على الإرهاب، كل هذا جرى فقط لإفشال ثورة الشعب السوري ووأدها في مهدها وإبقاء عصابة الأسد الأقلوية الطائفية جاثمةً على صدور السوريين.
إن تآمر الدول العظمى لإفساد الربيع العربي وتغليب المشروع الفارسي الأقلوي الطائفي وغض النظر عن إرهاب الأقليات الطائفية الشيعية التي يفوق إرهابها إرهاب داعش وأخواتها عشرات المرات، واضح وضوح الشمس لمن يريد أن يرى الأمور كما هي مجردة من الأهواء في كل الدول التي انتشر فيها المشروع الفارسي الطائفي، وفي سوريا، خصوصاً بعد الاحتلال الروسي لها في محاولة من الروس لإنقاذ هذه الأقليات بعد اختلال ميزان القوى لغير صالحها وأيضاً بعد قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2254 بشأن الكارثة السورية الذي شَرعَن الاحتلال الروسي لسوريا تحت ذريعة محاربة الإرهاب الذي كلنا يعلم أنها مجرد ذريعة كاذبة، فالإرهاب المزعوم ليس سوى غطاء لتمرير مخططات إفشال ثورات الشعوب العربية على الاستبداد وتكريس تحكم الأقليات الطائفية بالأغلبية من العرب السنة، خصوصاً في العراق وسوريا واليمن ولبنان التي اتضح بعد كل ما جرى خلال السنوات الخمس الفائتة أن هذه الأقليات التي تدور في فلك المشروع الفارسي في المنطقة العربية هي الحجر الأساس الذي يتكئ عليه مشروع الشرق الأوسط الجديد.
لكن باعتقادي أن مشروع الدول الكبرى لعملقة الأقزام من الأقليات الطائفية في المنطقة مصيره الفشل المحتم لأسباب موضوعية عدة، منها أن هذه الأقليات سوف تبقى أقليات كما كانت دائماً طوال تاريخها، لكن الفرق الوحيد الآن أن هذه الأقليات باتت مكروهة في محيطها، بعد أن كشفَت عن حقدها الدفين عليه تحت اعتقاد واهم أن هذه هي لحظتها التاريخية التي وقفت فيها الدول الكبرى موقف المؤيد والموظِف لهذه الأقليات للوصول إلى أهداف الدول الكبرى في تفتيت الشرق الأوسط، ومنها أيضاً أن هذه الكيانات الطائفية الأقلوية لا يمكن أن تُنتِج سوى كيانات مشابهة للكيان الصهيوني الذي بعد سبعين عاماً من زرعه قسراً داخل الجسم العربي ما زال عدواً مكروهاً داخل هذا الجسم، وسيظل كذلك على الرغم من تفوقه العسكري والعلمي الواضح على كل الدول المحيطة به مجتمعه الذي بالتأكيد تفتقده هذه الأقليات، وعلى الرغم من الدعم القوي والسخي والثابت لهذا الكيان المسخ من الدول الغربية الكبرى طوال السبعين عاماً الماضية.
وعليه فإن توظيف هذه الأقليات لخدمة مخططات الغرب الكبرى في المنطقة سيثبت فشله ليس بسبب عدم رغبة الدول الكبرى في دعمه، لكن بسبب أن هذه الأقليات لا تملك مقومات الصمود الطويل العسكرية والاقتصادية ولا حتى مقومات الاستمرار بوجه الرفض القاطع من الأغلبية العربية السنية على الرغم من كل الدعم والتآمر والخداع الدولي الذي تستفيد منه هذه الأقليات الآن، لكن بشكل مؤقت، وسوف يزول كل هذا بزوال أسبابه بعد اكتشاف الغرب أنه راهن على الحصان الخاسر، وعندها ستعود هذه الأقليات الطائفية التي حاولت الدول الكبرى عملقتها أقزاماً كما كانت لكن هذه المرة مع اكتساب كراهية وعداء محيطها السني الضخم الذي عاشت في كنفه مئات السنين بأمان على الرغم من نوبات الغدر والخيانة المتكررة التي تعتري هذه الأقليات الغادرة عند بعض مفاصل التاريخ.