د. خالد محمد الصغِّير
أود في البداية أن أتقدم بالتهنئة لمعالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى لمنحه الثقة الملكية بتعيينه وزيراً للتعليم داعيا المولى له بالتوفيق والسداد. واستأذن معاليه بالتوجه
إليه بعدد من الرسائل المضمنة كلمات قلبية ازعم أنها تعبر عن لسان حال الفاعلين والمستفيدين من الفعل المعرفي المناط بوزارة التعليم التي يتولى معاليه قيادة دفة الأمور فيها.
إن الكتابة لقيادي بهذا الحجم مهمة جسيمة يصعب عليّ حملها، وتأديتها بشكل يتلاءم مع قامة من يقف على رأس هرم بيوتات إعداد من سيحملون ألوية وطننا الغالي وهو يدلف في الألفية الثالثة وهو ما جعلني أتردد، وأبحث عن عذر هنا، وسبب هناك لأتخلص من إتمام مهمة مخاطبة معاليه بكلمات قلبية أرسلها له عبر الحرف، ولكنني بعد التوقف برهة من الزمن مع النفس أدركت أن إحجامي ومن في مقامي هو في واقعه تغييب لصوت يرغب سماعه، لأنه انعكاس يجلّي الناتج السلبي، أو الإيجابي لسياسة رسمها بصفة قائد المركبة التربوية، وحتى أزيد من قناعة النفس في المضي قدماً في مشروع الكتابة جاء حديث النفس مؤكداً أنًّ أولئك القادة قد صخّت آذانهم بعبارات الإطراء والثناء التي يحفهم بها العاملون معهم عن قرب حيال خططهم وبرامجهم التي سنّوها ومثيلاتها المزمع تنفيذها من قبلهم في مستقبل القادم من الأيام، وهي أيضاً فرصة سانحة لحث هممهم لإحداث عمل نوعي في المشهد التربوي المحلي الذي بحاجة إلى إصلاحات عاجلة وجذرية يدركها سموه قبل غيره نظير معايشته اليومية للفعل التربوي.
تراءى ذلك كله أمام ناظري فقنعت النفس في نهاية المطاف بأنها فرصة سانحة لإسماعه صوتاً ربما حالت موانع دون وصوله مباشرة إلى مسمعه، يود الطالب، وولي الأمر، والمربي، وأبناء الوطن قاطبة إيصاله لرائد إعداد ناشئة الوطن وبناة مستقبله، فهذه كلمات قلبية أسوقها باسم كل واحد من هؤلاء عبر أثير الحرف والكلمة مفعمة برجاء أن تجد أذن صاغية.
صاحب المعالي وزير التعليم:
إنني ابنكم الدارس في مدرسة رسمتم حدودها العمرانية، واختطّ يراعُكم لبناتها ومكوناتها التربوية التي تغذيني يوماً بعد آخر بكم معرفي ينير طريقي، ويؤهلني للعب دور فعال يسهم في صنع مجد تليد لأمتي. في كل صباح أهمّ فيه بالذهاب إلى مدرستي أشيح ببصري نحو وزارتكم ممنياً النفس أن تتواصل جهودكم من أجل البحث دوماً وبخطى متسارعة عما يزيد من فعالية وكفاءة المقدار المعرفي والتربوي الذي تقدمه لي مدرستي، والذي يتوافق مع متطلبات ومستحقات الفترة الراهنة ويتناغم، أو ينسجم مع متطلبات عالم مطبوع باتساع دائرة فعل العولمة، وينمي قدرتي على المهارات التحليلية، والقدرة على حل المشاكل، والتفكير النقدي، والإبداع، والتعليم الذاتي، ومتجاوزاً بي بذلك مسافات عن التعليم التلقيني، ويعنني على تطوير إمكاناتي، ويجعلني ذا قدرة أكبر على التفاعل مع محيطي المحلي والعالمي، وتوظيف معارفي وخبراتي للمشاركة البناءة في بناء مسيرة وطني.
صاحب المعالي وزير التعليم:
إنني ولي أمر فلذات أكباد أبناء وبنات يمضون جل ساعات نهارهم بين ظهراني فصول دراسية قمتم بإعدادها وتهيئتها لهم لينهلوا من معين معرفي لا ينضب. طموحي لا يتوقف عند حدود توافر تلك الفصول لتستقبل أبنائي وبناتي كل صباح، بل يتجاوز ذلك بمراحل إلى تزويدها بكل متطلبات التعليم العالي القيمة من معلم كفء، ومنهج متميز، وتجهيزات ومصادر إثراء عصرية، وبالإجمال: بيئة تعليمية نموذجية محببة. وبشكل أكثر دقة أود منكم النظر ملياً في أمر تطوير المناهج بما يواكب عصر الانفتاح والتطور التقني الحديث، وقبل ذلك حث الخطى في العمل على تطوير السياسية والنظام التعليمي لدينا.
صاحب المعالي وزير التعليم:
إنني رسولكم المبلغ لرسالتكم التربوية التي حملتموني أمانة نقلها لأجيالنا الناشئة، كونوا على ثقة بحرصي الشديد على إيصالها على أكمل وجه، ولكنني لا أكذبكم القول إنني في أحيان أخفق في مهمتي تلك لأسباب خارجة عن إرادتي، فهناك قصور في برامج التأهيل وإعادة التأهيل والتدريب بنوعيه القصير والطويل المدى، فضلاً عن تكبيل يديّ بأغلال لوائح وأنظمة تحد من حركتي وإبداعي وتجعلني أسير التقليد، ناهيك عن غياب تام لقنوات الدعم والتشجيع التي تجعلني دوماً في سباق مع الزمن لمعرفة الجديد المفيد في تخصصي، ونقله لمن ائتمنتموني على تربيته وتعليمه. وإلى جانب ذلك تأتي الأعباء الإدارية والإشرافية الخانقة، والأنصبة المرهقة التي تحول بيني وبين أداء رسالتي التربوية على أكمل وجه.
صاحب المعالي وزير التعليم:
إنني أحد أفراد البيئة التعليمية الجامعية السعودية الذي توارى عن تأدية دوره المنوط به من إنتاج ونشر للمعرفة من خلال دراساتي وبحوثي، ولم أعد قادراً على إعداد وتأهيل الكوادر البشرية ذات الوعي الثقافي والاجتماعي، وليس لي إسهام فاعل في الارتقاء في مجتمعي نحو مراتب العلو والرقي، والدفع بعجلة التقدم فيه إلى الأمام؛ وذلك نتيجة لكثير من الممارسات الإدارية والتنظيمية الجامعية التي حالت بيني وبين القيام بذلك بصفتي أستاذاً جامعياً. ومن هنا يأتي رجائي بتهيئة الظروف المناسبة لأتمكن من تأدية دوري المنوط بي، وبخاصة في الشق التعليمي لأتمكن من تفجير طاقات الطلاب، وتوجيه قدراتهم، وتوسيع آفاقهم ومداركهم، وبناء وتطوير القدرات النقدية والتحليلية لديهم، والإسهام في تكوين شخصياتهم، وبناء وعيهم الثقافي والاجتماعي والإنساني، ودعم استقلالية تفكيرهم، ومساعدتهم في التعرف على شخصياتهم، ومجالات إبداعهم، وميادين تفوقهم، وإكسابهم القدرة على التعامل بمنهجية مع مقرراتهم الدراسية، وتنمية الوعي الناقد لديهم، وتعزيز قدرتهم على الفرز والتمحيص المعلوماتي، وتزويدهم بمهارات يمكنهم من خلالها تطوير أساسيات المعرفة المتخصصة التي يمدهم بها، وجعلهم محور العملية التعليمية ومصدرها، والعمل على بناء ذهنيات علمية وإبداعية تتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية والتحديات التي تمليها. وكذلك توجيه سلوك الطلبة، وتعزيز نموهم الشخصي والمعرفي وتشجيعهم. ومتى ما هيأتم لي الأجواء المناسبة عندها سأكون الفاعل الرئيس في تحقيق الأهداف الكبرى التي تسعى مؤسسات التعليم العالي جاهدة لتحقيقها والمتمثلة في عملية نقل المعرفة، وتوصيلها إلى الأجيال الجديدة، ومساعدتهم على تطبيقها، واستخدامها، واستنباط الجديد منها.
صاحب المعالي وزير التعليم:
نحن أبناء هذا الوطن الغالي نقف خلفكم، ونضع ثقتنا في قيادتكم للقطاع الأهم في بلدنا راغبين في أن تتبنوا رؤى عملية مستقبلية، وتعملون على رسم وإعداد إستراتيجية تعليمية أكثر فعالية تستند إلى الخبرات والتجارب العالمية، ووفق معايير عالمية تسهم إسهاماً حقيقياً في إحداث التغيير المطلوب في نسق التربية والنظام التعليمي، ومفاهيمها لإحداث ثورة بيضاء لحركة نهضوية تخلص بلدنا العزيز من ذيول التخلف وتنقله إلى آفاق حضارية جديدة، وتعمل على تحقيق تنمية إنسانية حقيقية لأجيالنا القادمة.
فأملنا وتطلعنا أن تعملوا من الغد على رسم رؤى وأهداف واستراتيجيات وإجراءات تعتمد فكراً تربوياً ينظر إلى المستقبل وفي الوقت نفسه محاولاً الاستفادة من الماضي من أجل إيجاد نظام تربوي متماسك متفاعل مع حاجات المستقبل، ذو قدرة أكبر على التعامل مع المتغيرات، ومصاغ بطريقة تمنح مساحة أوسع لانصهار الأفكار المتجددة في بوتقته، وأن تعملوا من اليوم لا الغد على تقويم الخطط والبرامج، وإعادة هيكلة المؤسسة التعليمية في وطننا الشامخ وتطوير آلياتها وأدواتها.
صاحب المعالي وزير التعليم:
إن المواطنين في كل حيز صغير في شتى أصقاع بلدنا المعطاء يرفعون أكفهم داعين بالتوفيق لكم في مهمتكم التي ندرك مدى عظم شأنها. تأكدوا بأننا في كل يوم نصبوا بآذاننا، وتتطلع عيوننا لما سوف تقدمون على اتخاذه من قرارات وخطط تدفع قدماً بمسيرة التعليم وترتقي به درجات إلى منصّات منظومة التربيات العالمية. وندعو أن تكونوا من يبني بجهوده لبنات الفعل التربوي لإحداث نقلة نوعية في المستوى التعليمي لأبناء المملكة العربية السعودية في عصر المعلومات واقتصاد المعرفة، أو ما يمكن تسميته باستثمار الموارد البشرية ذي العائد الهائل.
وفي الختام حفظكم الله وسدد على دروب الخير خطاكم.