محمد آل الشيخ
لدي فكرة أجدها تسيطر على ذهني وتزداد قناعتي بها يوماً بعد يوم، مؤداها أن الروس يدركون تماماً أن الأسد ونظامه لا يمكن مساندته وإعادة تأهيله من جديد كرئيس لسوريا الديمقراطية؛ لأن محاولة كهذه هي حتماً ستكون فاشلة فشلاً ذريعاً على المدى البعيد؛ فنظام يقصف أفراد شعبه بالبراميل المتفجرة وقذائف الغازات الكيماوية السامة، لا يمكن الرهان عليه على المدى الطويل بالنسبة لأي إنسان موضوعي وعقلاني؛ غير أن الروس حسب ما أراه يتحالفون معه تحالفاً تكتيكياً مؤقتاً وليس استراتيجياً، غاية هذا التكتيك أن يعشمونه بالبقاء والاستمرار ليؤدي لهم مهمة التخلص من الكتائب الإرهابية المتأسلمة بشكل عام ومن حركتي داعش والقاعدة بشكل خاص، خاصةً أن الصراع في سوريا جذب أغلب مجاهديهم إلى الجغرافيا السورية، ومهمة جيش النظام السوري هي كمهمة الكبش الذي يفجر حقل الألغام ليمهد لكتائب الجيوش العبور إلى غاياتهم.
وفي تقديري أن هذا المنطق كان بمثابة العامل المشترك الذي جمع القوى العظمى الغربية بروسيا، وجعلهم يقبلون بقاء الأسد مرحلياً ريثما يتم القضاء على فصائل الإرهاب التي هي الآن مجتمعة على الأرض السورية، بدل أن كانت كوادر هذه الحركات كالأشباح التي يصعب تتبعها والقضاء عليها. إلا أن الإرهاب هو أيديولوجية سياسية، القضاء عليها يتطلب أن تفهمها فهماً عميقاً، وأن تفهم بواعثها وأسبابها. لذلك أقول وبيقين لا يخالجه شك: الإرهاب المتأسلم له وجهان؛ سني وشيعي، وإذا لم يتم التعامل مع هذين الوجهين بأسلوب واحد ولا تنصر هذا على ذاك، فإن كل محاولات العالم لاجتثاثه ستفشل؛ ربما تنجح الجهود العالمية على القضاء عليه في سوريا قضاء مبرماً بحكم فارق القوة بين الإرهابيين والقوى العالمية التي تتنادى لسحقه، إلا أن القضاء عليه في سوريا سيكون بمثابة الانتصار في معركة، إلا أن الحرب لم تنتهِ، فهناك أجيال من الإرهابيين الجدد هم الآن في مرحلة التكوين، وما أن تتخمر فكرة (المظلومية) من قبل العالم الغربي في أذهانهم، سيعود الإرهاب من جديد، وربما بصورة أشرس من داعش، مثلما كانت داعش أشرس وأوحش من القاعدة. وهذه النقطة غاية في الأهمية، ويجب على الغربيين ومعهم الروس إدراكها.
ولا يمكن الحديث عن المشهد السوري والأطراف المتصارعة هناك دون الحديث عن المحتل الإيراني، الذي كان قبل أن تتدخل القوات الجوية الروسية يصول ويجول، وله الكلمة الفصل في تسيير الأمور واتخاذ القرارات، غير أن موقعه ونفوذه الآن تقهقر بوضوح، وفي تقديري أن هناك نقطة جوهرية لن يترك بوتين لإيران ولا لحليفها حزب الله، أن يمارسوها طالما كانت الطائرات الروسية تقوم بمهامها العسكرية لنصرة النظام، وهذا ما اتضح للمراقبين حينما قصفت الطائرات الإسرائيلية مأوى «سمير القنطار» في دمشق على مرأى ومتابعة من الرادارات الروسية، ولم تحرك موسكو ساكناً، بل بادر السوريون إلى إلصاق التهمة بفصائل المقاومة السورية المسلحة في البداية، في محاولة لرفع الحرج عن الروس وصمتهم، حتى وجّه حزب الله أصابع الاتهام (يقينا) إلى الطائرات الإسرائيلية، و(كذّب) في الوقت نفسه الإعلام السوري، وفي نفس الوقت كشف تواطؤ الروس ضمنياً مع الإسرائيليين لتمرير العملية؛ وفي تقديري أن هذه الحادثة تحديداً جاءت لكشف تضاد الأجندتين الإيرانية والروسية، وهذا التضاد سيتضح أكثر مع مرور الوقت، خاصة أن الروس جاؤوا لتنفيذ مصالح تتصادم مع مصالح الإيرانيين ورغباتهم الجامحة إلى التوسع.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن إيران لم تعد قوة فاعلة الآن في سوريا، وأن الحلف الحالي الثلاثي بين النظام السوري والإيرانيين والروس هو حلف مستحيل عملياً، لأن أهداف كل طرف في هذا التحالف متضادة؛ فالنظام السوري يريد البقاء، والبقاء مستحيل، والإيرانيون يريدون بناء الإمبراطورية الفارسية ومن يقاتلون عنهم بالوكالة هزمتهم ميلشيات وليست جيوشاً، أما الروس فقضيتهم قضية مصلحة استراتيجية، فإذا ضمنوها فلن يراهنوا على كارت محترق داخلياً وعالمياً مثل كارت الأسد.
إلى اللقاء