هاني سالم مسهور
تعتبر ثورة 26 سبتمبر 1962م -شمال اليمن- واحدة من أهم علامات التاريخ السياسي اليمنية، كما أنها تعد حجر زاوية قوي ومتماسك في البناء على التركيبة السياسية في اليمن، ولهذه الثورة أطرها العامة في الإقليم المحيط باليمن سياسياً وما صنعته تلك الثورة من توازنات أسست لحقبة نصف قرن من الزمن في العلاقات السياسية اليمنية داخلياً وخارجياً، وهي التي صنعت التوافق السياسي -المُعقد جداً- في البنية الاجتماعية اليمنية.
في مشاورات (جنيف 2) التي انفضت على انعدام رؤية واضحة المعالم لمستقبل اليمن خرجت وزارة الخارجية الإيرانية بتصريحات لافتة رحبت من خلالها بالتحالف الإسلامي الذي تتزعمه المملكة العربية السعودية، وأكدت دعمها لهذا التحالف وأكدت الخارجية الإيرانية أن هناك جهوداً دبلوماسية جارية بين إيران والسعودية لإعداد أرضية لحوار مباشر من أجل تسوية الخلافات والقضايا الإقليمية، مع تقارير متنوعة المصادر تتحدث عن مبادرة جزائرية تقضي بمفاوضات مباشرة بين الرياض وطهران لتسوية النزاعات في سوريا واليمن والعراق.
هنا نعود إلى الثورة اليمنية في 1962م التي شهدت أزمة سياسية امتدت حتى حصار السبعين في العاصمة صنعاء 1967م والتي أدت في منتهاها إلى التوافق السياسي بين الملكيين والجمهوريين مما أحدث انفراجاً واسعاً في شمال اليمن، وكان التوافق اليمني الداخلي هو انعكاس للتوافق الإقليمي بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر، فالتفاهمات التي نجمت بين الزعيمين الملك فيصل بن عبدالعزيز والرئيس جمال عبدالناصر في قمة الخرطوم كانت النافذة لليمن ليشهد فترة سياسية شهدت تغيرات واسعة لم تكن لتحدث إلا عبر التوافق الإقليمي بين الرياض والقاهرة.
وإن كان اليمن ومنذ 21 سبتمبر 2014م يعيش وضعاً يوصف سياسياً بأنه (انقلاب) بعد إسقاط الحوثيين للعاصمة اليمنية والسيطرة على مؤسسات الحكومة وإخضاع الرئيس الشرعي بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية فأن الحرب التي جاءت لاستعادة العاصمة والدولة كان لابد لها أن تنتهي في الإطار السياسي الذي يأتي عبر القرار الدولي 2216 على اعتبار أن عمليات «عاصفة الحزم» لها أهدافها، التي من ضمنها دفع الانقلابيين وشريكهم المخلوع علي عبدالله صالح للقبول بالشرعية الدستورية لليمن وتطبيق مخرجات الحوار الوطني.
من المهم في مرحلة كهذه أن يدرك اليمنيين أنفسهم أن اليمن جنوبه وشماله لن يكون قابلاً ليكون أداة في طرف معادٍ للإقليم العربي، ولن يكون مقبولاً من اليمنيين جنوبيين أو شماليين أن يمارسوا أدواراً تسيء للمنظومة الخليجية والتي شكلت نواة التحالف العربي الذي وضع حداً قاطعاً للأطماع الإيرانية في اليمن، وأن من الجدارة إدراك المرحلة ومقتضياتها وأن التضحيات التي قدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لاستعادة اليمن تحتاج أيضاً إلى مسؤولية وطنية تجاه المواطن اليمني شمالي وجنوبي لوضع حد لمأساة الشعب الذي عانى الكثير.
واقع الحال اليمني قد يشهد انفراجاً واسعاً في ظل ما يمكن أن تتقدم به طهران بعد أن أيقن الإيرانيون أن رهانهم في اليمن لا يمكن له أن ينجح، ولا يمكن إطلاقاً للسماح بأن تكون صنعاء أو حتى عدن مجرد عواصم تابعة لإرادة المرشد الأعلى في طهران، المعركة الواسعة التي حاولت فيها إيران من خلال الحوثيين خوضها لم تصنع في اليمن والعراق وسوريا سوى الفوضى الكبيرة، وحان لهذه الفوضى أن تتوقف ويوضع لها حد نهائي، فما دفعته الشعوب من قتل وتدمير وتهجير يحتاج لعشرات السنوات لمعالجته وإعادة الأمن والاستقرار للمنطقة.
التوازنات السياسية الإقليمية ومدى تأثيرها في مستقبل اليمن تحديداً لا يمكن تجاهلها وتجاوز حقيقتها، وهي التوزانات التي تأتي مع تحولات الواقع السياسي بعد إعلان الرياض عن التحالف الإسلامي وهو البوابة الصحيحة لمحاربة الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله، هذا التحول سيؤدي بدوره لتغيير ملموس متى ما كانت الدول في الشرق الأوسط قادرة على التعاطي مع هذا التحول والذي سينعكس إيجاباً على العالم.