هاني سالم مسهور
مهم هو التوقيت الزمني الذي أعلنت فيه المملكة العربية السعودية تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، فلقد جاء متوافقاً مع الساعات الأخيرة لاستجابة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لطلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بوقف العمليات العسكرية في اليمن تمهيداً لإطلاق المفاوضات المباشرة مع الانقلابيين في العاصمة السويسرية جنيف، أهمية التوقيت الزمني تبدو أكثر وضوحاً عندما نعود إلى انطلاق عملية «عاصفة الحزم» في 26 مارس 2015م، والتي شكلت نقطة تحول حقيقية في مواجهة كل التهديدات المحيطة بالأمن القومي العربي كمرتكز غير قابل أبداً للمساومة دونه، ولهذا فإن العملية العسكرية التي استمرت في اليمن أخذت هذا البُعد العميق بالسيطرة على باب المندب كممر مائي حيوي لا يمكن القبول باختطافه من أي جهة كانت.
الرؤية السعودية تقوم من وضوح حقيقي عبر عنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في سبتمبر 2015م عندما التقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض وحديثه الواضح أن المملكة ترغب فقط في مساعدتها بتحقيق الاستقرار في المنطقة، هذه هي الرؤية الواسعة التي تتجاوز الصراعات المصطنعة بعد اهتزازات عنيفة شهدها الشرق الأوسط بعد ما سمي الربيع العربي.
ما بعد استعادة اليمن جاء الدور لتخطو المملكة العربية السعودية خطوة أخرى بمحاربة كل التنظيمات الإرهابية من خلال التحالف الإسلامي والذي أعلنه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتشكيل أربعة وثلاثين دولة إسلامية على أن يكون مقر هذا التحالف هو العاصمة الرياض، هذه هي الرؤية التي تحولت عملياً إلى جهد فعّال يخلص العالم من آفة الإرهاب التي تفشت واستوطنت في سوريا والعراق وسيناء واليمن وحضرموت وليبيا ومالي ونيجيريا وباكستان وأفغانستان، وبات الإرهاب يشكل خطراً حقيقياً على الدول والمجتمعات.
الإعلان عن التحالف الإسلامي العسكري جاء بعد عشرة اعوام من دعوة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله بإنشاء ( المركز الدولي لمكافحة الإرهاب ) والذي خاب ظن المملكة من عدم استجابة المجتمع الدولي برغم الترحيب الذي رافق الفكرة في 2005م، ويبقى تساؤل الملك عبدالله رحمه الله قائماً حول لماذا لم تتم الاستجابة للمبادرة السعودية، رغم الترحيب المبدئي بالفكرة، والتأكيد على أن المشروع يصب في خدمة الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب؟.
وفي تصورنا أن الموقف السلبي من المشروع السعودي كان منبعه الأساسي هو عدم رغبة الدول الكبرى في الاعتراف بالدور السعودي في مكافحة الإرهاب، والرغبة في إبقاء هذه المهمة حكراً على هذه الدول. فالمشروع السعودي قدم فكرة ناجحة وضرورية وفي حالة السماح لهذه المبادرة بالتحول إلى مشروع عملي ناجح فإن رصيد النجاح سيكون من نصيب المملكة، على حساب الدول الكبرى التي تدعي قيادة الحرب الدولية على الإرهاب، لذلك فرغم الترحيب بالمبادرة فقد تم العمل على مدار السنوات العشر الماضية على منعها من أن تترجم إلى مشروع حقيقي. والأمر الآخر الذي يعتقد أنه أثر على حسابات هذه الدول في اتخاذ قرار تبني موقف سلبي تجاه المشروع السعودي، هو أن مشروعاً مثل هذا له أبعاد دولية سيؤدي إلى دحر الافتراءات التي لا تزال توجه للمملكة كل يوم بدعوى أنها دولة ترعى النشاطات الإرهابية، وهذا أمر لا ترغب فيه معظم الدول الكبرى التي تحاول جاهدة تعزيز الاتهامات الباطلة ضد المملكة، وتشويه صورتها. حيث إن تعبئة الرأي العام الدولي في تعميق النظرة السلبية إلى المملكة العربية السعودية جزء من الصناعة السياسية والإعلامية لهذه الدول، كما أن عدم الاعتراف بجهود المملكة ونجاحاتها في مكافحة الإرهاب يعد جزءاً مهماً من الصورة النمطية التي يحاول الغرب المحافظة عليها.
الحقبة التاريخية برمتها تشهد تحولات كبيرة على مختلف الأصعدة، فإذا كان الإرهاب قد استطاع توسيع جغرافيته على الأرض وبات حقيقة كاملة ونجح الإرهابيون في التعامل مع بعض الدول من خلال بيع النفط والحصول على ممرات آمنة لعناصرهم الخارجة عن القانون فإن هذا الإرهاب هو الذي وصل إلى عمق القارة الأوروبية ليضرب فرنسا وقبلها بريطانيا واسبانيا والولايات المتحدة لم تكن يوماً بعيدة عن هذه الضربات التي لم تراع أحداً، لذلك فإنه من الجدارة الكاملة هو الإمساك بزمام المبادرة من الرياض وعبر رؤيتها الشاملة بمكافحة الإرهاب وتسخير كل ما يمكن لهذا التحالف الإسلامي لمواجهة التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها عسكرياً مع استمرار الاستراتيجية القائمة بتجفيف منابع الإرهاب فكرياً ومالياً.