هاني سالم مسهور
انفضت مشاورات جنيف 2 اليمنية كما كان متوقعاً من دون كثير من إيجابيات تُذكر، وعاد الفرقاء اليمنيون إلى مواقعهم وتصدروا من جديد العناوين العريضة في الصحافة العربية، وأخذوا عبر القنوات الأخبارية يمزجون بكثير من ما اعتادوا عليه من القفز على الواقع ليمارسوا تسويق الأوهام تحت مظلة الأمم المتحدة، وعلى مرأى ومسمع من شعبهم الذي يتساءل إن كان حقيقة أن ثمة جسر للثقة قد صنع في جنيف أم أن واقع المأساة قتلاً وجوعاً وخوفاً وتشريداً هو الموثوق به!!
في جلسة مجلس الأمن الدولي 22 ديسمبر 2015م تحدث المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد طويلاً عن إنجازات كثيرة تحققت في مشاورات (جنيف 2) مكرراً جلسات استماع أطول قدمها سلفه المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر الذي كان في كل إفادة له أمام مجلس الأمن يقدم تقارير عن تقدم المفاوضات بين اليمنيين، وعن أن المفاوضات بينهم ستفضي إلى قيام الدولة المدنية الحديثة، لم يتوقف جمال بن عمر عن تقديم كل التعبيرات الإنشائية الوردية بينما أن الحقيقة تقول إنه استلم من الخليجيين المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقد حققت وقف المواجهات في صنعاء وقامت بنقل السلطة السياسية إلى الرئيس عبدربه منصور هادي وكان عليه فقط أن يقود العملية السياسية في مؤتمر الحوار الوطني الذي كانت تجري جلساته بينما الحوثيين كانوا مع بدايته تماماً في مارس 2013م قد بدأت قواتهم العسكرية في التحرك من صعدة متجهة إلى دماج ثم عمران ليسقطوا العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 2014م وكان وما زال السيد جمال بن عمر يقدم في إفاداته إلى الدول العشر الكثير والكثير من التقارير الإيجابية بينما الواقع كان يخالف ذلك.
وقع اليمن كاملاً في الفوضى التي وعد بها المخلوع علي عبدالله صالح اليمنيين عندما خرجوا ضده في فبراير 2011م، كل الفوضى العارمة تحدث والأمم المتحدة عبر مبعوثها السابق كانت وحتى مع انطلاق «عاصفة الحزم» تعقد جلساتها مع الحوثيين وأعضاء من الأحزاب اليمنية في فندق مونفبيك بالعاصمة صنعاء، كل هذا الواقع يحدث والمتحدثون لا ينفكون حديثاً عن نجاحهم في المفاوضات التي لا تنتهي.
نتساءل اليوم وقد فشلت مشاورات (جنيف 1) في يونيو 2015م وفشلت مثلها مشاورات (جنيف 2) في ديسمبر 2015م، عناوين الفشل واضحة إلا أن جلسات الاستماع في مجلس الأمن تقول عكس ذلك.. فلماذا تصر الأمم المتحدة على لعب الدور الذي يرفض تحقيق العدالة في وطن أنهكه الظلم والعدوان؟؟، نتساءل حتى عن دور النخب الإعلامية اليمنية التي تعاني انفصاماً في حديث عن واقع سياسي نتج عن مسيرة طويلة من عدم القدرة على المواجهة.
ذهبت الأطراف اليمنية إلى (جنيف 2) بناءً على مذكرتين تلقاهما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من الحوثيين وشريكهم المخلوع صالح تفيدان بقبولهم تنفيذ القرار 2216، وهذا يعني الانسحاب من المدن وتسليم السلاح إلى الدولة والإفراج عن المعتقلين العسكريين والسياسيين بحسب ما ورد في القرار الدولي، ولكن ما حدث أن لا شيء حدث برغم أن الحكومة الشرعية طلبت وقف العمليات العسكرية من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية واستجابت الحكومة للجلوس على طاولة واحدة مع مليشيات خارجة عن القانون والدولة، كل هذه التنازلات ثمنها وعود بإطلاق المعتقلين وتمرير المواد الإغاثية للمناطق المحاصرة قبل انعقاد الجولة الثالثة في 14 يناير 2016م.
هذا الثمن الباهظ الذي تقدمه الحكومة الشرعية يقابله الحوثيون بشيء هزيل في مقاربة تؤكد عدم رغبة الحوثيين أبداً لتحقيق خطوات ملموسة تجاه السلام في اليمن، ما رغب به الحوثيون هو الذي تحقق في المشاورات حيث إنهم حصلوا على شرعية التفاوض الندية مع الحكومة الشرعية ونجحوا في ترحيل القضايا الأهم إلى جولة مشاورات تالية، وهنا تبقى الحكومة الشرعية أمام اختبارات الصبر التي تضعها الجماعة الحوثية أمام الأمم المتحدة والحكومة الشرعية في استفادة كاملة من الضغوط الدولية التي تمارس من أجل وقف إطلاق النار في اليمن.
نتذكر أن اليمن يخضع للفصل السابع عبر تصويت مجلس الأمن بالأغلبية في 14 أبريل 2015م، وهذا يعني أن على الحكومة الشرعية أن تمارس الضغط المقابل على الدول العشر لاستخدام القرارات الدولية تجاه هذا التعنت الحوثي والمماطلة الممنهجة والتي تدفع باتجاهات أخرى غير تنفيذ القرار 2216 وأن جسور الثقة التي يجب أن تبنى بين الأطراف لابد وأن تتقابل على الأرض وليس كما يحصل في الملف اليمني الذي لا يقدم فيه الحوثيون أي بوادر حُسن نية تجاه الطرف الآخر الذي يمثل الشرعية السياسية الدولية.