كوثر الأربش
في 8 يونيو 1986، كَمِن أحدهم على دراجة بخارية للمفكر الإسلامي فرج فودة، وهو خارج برفقة صديقه وابنه.. أطلق الرصاص وفرّ هاربًا. لكن صديق فودة تمكن من اللحاق به، وتسليمه للشرطة. في التحقيق، عندما سُئل عن سبب قتله لفودة، قال بسبب فتوى قتل المرتد. فمن أي كتبه عرفت أنه مُرتد؟ أجاب: أنا لا أقرأ ولا أكتب! ولماذا اخترت موعد الاغتيال قبيل عيد الأضحى؟ سألوه، فقال: لنحرق قلب أهله عليه!.
إن هذه الحادثة تلخص الخارطة الذهنية لقيادة الجموع.. أعني قيادة هدفها النهائي تجييش الأتباع للوصول لأهداف القادة، أي الجواب الملائم لسؤال: «كيف نجعل الآخرين يخوضون معاركنا، وهم يعتقدون أنها معارك إلهية»؟..
الجموع الجاهلة قوة كامنة، لكن عقلها اللاواعي خصب لاستقبال البذور.. وحينما أقول جاهلة لا أعني التعليم الأكاديمي، بل أقصد انخفاض الوعي، ولا ينخفض الوعي إلا بتصاعد منسوب الوهم والخرافة. والجموع الواهمة هي الأسهل انقيادًا لمن يحفز قلقها ومخاوفها. لذاك، الجن والخرافة والشعوذة والحسد منافذ ملائمة لمن أراد قيادة الجموع الجاهلة. لأن الذعر والجهل متلازمان. المرء عدوّ ما يجهل، عبارة دقيقة تصف مادة التأمل لهذا المقال. فماذا لو غذيت هذه المخاوف؟ ماذا لو اخترت عدوك الشخصي وأقنتعها بأنه عدوها، أنه سبب تعاستها، يهدد وجودها؟ يحاول تدميرها؟ هذا ما أقنع به المتشددون مُغتال فرج فودة. وما أقنع به -أيضاً- المتشددون الجموع الجاهلة في التصويت ضد خصومهم، وهذا ما حصل في تصويت الحرة.
الحكاية باختصار، أنه في قناة الحرة تم طرح تصويت للمرأة الأكثر تأثيراً لعام 2015. وجوه مجتمعية متباينة برزت أسماؤها خلال العام. نبئتُ بأن اسمي متقدم بفارق ملحوظ عمن يليه من أسماء السيدات الكريمات. الأمر الذي شكل ضغطاً وقلقًا على فئة من متطرفي المجتمع الذين ثكلوا في أفكارهم الهدامة وقاوموا سقوط زعامتهم على عقول الناس. وجدوها فرصة للانقضاض المعاكس. شنوا حملات واتسابية محمومة مفادها ضرورة التحرك الآتي و وجودية التحدي وحتمية النصر إذ التوفيق «إلهي». وهكذا ترسخت خطواتهم عبر شيطنة خصومهم، وشحن العواطف لتتحرك جمعياً، وكذلك تبجيل المنافس لخصومهم، قرب أو بعد عنهم.
وفي غضون ليلة فقط ارتفع عدد الأصوات لإحدى المنافسات بشكل مفاجئ لتتصدر التصويت بهامش واسع عن البقية.
بعدها هجم مجموعة من السُذج لمنشني ومنشن بقية الأسماء من التصويت في تويتر لقذف كلمات الشماتة وإعلان انتصارهم. ذكرني موقفهم برد قاتل فرج فودة: «لنحرق قلب أهله عليه». وهنا وقفة هامة للغاية: أن السذج يفضحون خطط قادتهم بغباء. القادة سياسيون، والأتباع مشحونون وانفعاليون، وحسب!.
معركة متشددين لا يتجاوزون عدد الأصابع. والمنفذون: جموع جاهلة تم إقناعها أنها تجاهد في سبيل الله. وأن القضية قضية ذب عن المذهب. صدّقهم الجموع، فتحول التصويت من أداة بحثية لقياس التأثير المجتمعي إلى أداة لقياس سهولة الانقياد لأصوات الكراهية والتشدد. فقد حفل بأسماء كان لها إنجازاتها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وحقوق المرأة ورفض الطائفية والتطرف، لكنهم حولوها لمعركة إثبات وجود وهذا اقتضى نفي الآخر ومنجزاته. نفذ الأتباع كالمنوّمين.
الخلاصة:
طالما أنك خائف وجاهل، ستكون صيداً سهلاً، ستكون أداة لمعارك الآخرين. ابحث عن استقلالك، اختر معركتك، اقرأ.