كوثر الأربش
في الظلام لن تصبح رؤية باطن كفك المعلقة بجسدك أمرًا بسيطًا! في الظلام قد تخبط بأحد كراسي المنزل الذي تعرف زواياه جيدًا، وتؤذي خاصرتك. ونحن في زمن مظلم، أشد ظلمة من بطن الحوت. ونحن مثل يونس الذي يطلب من الله فرجًا. ما أعنيه تمامًا هو ظلمة اختلاط الحق بالباطل، وخصوصًا في «زرانيق» السياسة. وبالتحديد أكثر فيما يخص الإرهاب. داعش صنيعة وطنية أم إيرانية؟ ابن لادن صديق أمريكا أم صديقنا؟ ميليشيا جيش المهدي في العراق تقتل أم تدافع عن أرضها؟ بشار يواجه الإرهاب أم يحتضنه؟ كف أمريكا تصافحنا أم تغدر بنا؟ هذه الأسئلة الرمادية وغيرها هي ظلام، عتمة، تيه لا يرشدك فيه أحد. أقول لا يرشدك؛ لأن العقل السائد هو العقل التبعي. من سيكلف نفسه بالتحليل طالما هناك من سيفكّر؟ العقل التبعي لا يفكر، إنما يبتلع كل ما يلقيه سيده، يبتلعه دون فحص، ودون تأكد.
قلّة من يذكر عقله ويوظفه، من يحلل، يربط، يكتشف المتناقضات، يبني رأيه المستقل بعد جمع البيانات والتحليل والتدقيق. رغم أنه في السياسة لا يوجد رأي رشيد وأمثل، إنما يوجد رأي مُرضٍ للواقعية. والمملكة اليوم، ككل الدول، طافت حولها شبهات كثيرة، قالوا: داعمة للإرهاب، قالوا: تحارب المسالمين في اليمن، وقالوا.. قالوا كثيرًا، وانشق الصف عن موقفين: (مع، ضد). كلا الرأيين حياكة بأيدٍ سعودية للأسف. وكل حزب يروّج الموقف الذي يخدم مصالحه؛ لأنه في الوطن لا يوجد حياد، إما معه أو ضده؛ لأن الحياد جريمة في حق الوطن. ظهر لنا في موقع الكشف الاجتماعي، أعني تويتر - أسميه هكذا؛ لأنه كشف ما وراء الأكمة، وسَبَر ما بالأفواه من مياه - تيارٌ معياره الوطن. ليس حب الوطن، بل الحنق على الوطن. وبتوضيح أدق، هم يصنفون الوطنيين كخونة، كعملاء، كمنبطحين، كمن باع ضميره. يكفي أن تكتب كلمة «وطن» في تغريدة؛ كي يطلقوا عليك أسلحة التدمير. هؤلاء ليسوا هامشيين، بل من نعتبرهم مثقفين، حقوقيين، ومفكرين أيضاً! لن يكون غريبًا أبدًا أن يبدل موقفه تجاهك لأنك شكرت وطنك، أو فخرت به، أو ذكرت أفضاله. ودعني أكون أكثر دقة، القادة أيضاً، بمجرد أن تعبر عن حسن نواياك لقادة لبلادك، تبارك قراراتهم، أو حتى مجرد الدعاء لهم، حتى يتهموك بالعمالة ويسقطوك من حساباتهم. يفعلون ذلك ثم يغردون عن النبل، الإنسانية والحق. كما لو كان بياضك تجاه وطنك وقادته غدر وخيانة. فإذا كانت كذلك ما هو النبل بربكم؟ أخبروني!
على العربية بُثّ وثائقي: «كيف واجهت السعودية القاعدة؟». لن أطيل في وصف الدموع التي ارتجفت في قلبي، ولا الدموع التي فرّت، ولا الألم السحيق برؤية سعودي يكمن لسعودي، يرديه رميًا بالنار، تطهيرًا لجزيرة العرب (بلاد أجداده) منه (من المشركين)!! ولا الفخر الأنيق الذي لمعَ في داخلي برؤية ما بذله رجال الطوارئ والأمن في ملاحقة الإرهاب، وخصوصًا أن العربية أنتجت الفيلم باحترافية وعصرية. المهم، ليس هذا ما أردته. شاهدي هو أننا، وفي ظلمة هذا الزمن، واختلاط الحق بالباطل، بحاجة للارتكاز على شواهد حقيقية، ولا أكثر حقيقة من أمر حدث فعلاً. السعودية نجحت في إحباط أكثر من 300 عملية إرهابية. عرفت المدن 88 عملية منها. كما دعمت المركز المالي لمكافحة الإرهاب بمئة مليون دولار، وكانت أول دولة توقع على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي. تمكنت في عقد ونيف من قص رأس الأفعى. هذا المعطى الحقيقي والثابت، الذي لا يقبل جدال، يمكننا أن نعتبره خيط الدليل، وأنا اعتبرته كذلك. وعليه، لي أن أقول بملء فمي: إن المملكة واجهت الإرهاب بدرجة امتياز، إنها أكثر المتضررين، وأكبر المحاربين. وإن الأمير محمد بن نايف حقق إنجازًا متفوقًا، وإنه كان جديرًا بالمهمة، وإن رجال الأمن في بلادي، هؤلاء الأقوياء الطيبين، الذين ظهر أحدهم في تصوير عفوي، في مهمة تطويق منزل اختبأ فيه إرهابيون، ظهر متألمًا، صوته كان كذلك، لم يخف على نفسه، رغم مواجهته المباشرة، وبلا حاجز مع الموت، بل قال: «الآن سيهرب للشوارع، والوقت وقت خروج الأطفال للمدارس، لا حول ولا قوة إلا بالله». له، ولكل من وقف بسلاحه الناري وسلاحه الإيماني في وجه من أراد لهذه البلاد الخسارة، وقد خيبه الله.. هؤلاء هم الضوء، وهم الحق. وليغضب من يغضب.