د. حمزة السالم
يصعب أن تجد في الاقتصاد حالتين متشابهتين بين بلدين، أو حتى في بلد واحد لكن باختلاف الزمن. والأمر ليس وقفاً على الحالات، بل حتى على المسميات والمؤشرات.
فالميزانية مثلا تحمل في أرقامها وصفاً دقيقاً لحياة مجتمعها الإنتاجي والسياسي والثقافي. فالميزانية التي يغلب على مصدر دخلها كونه من ضريبة الدخل هي ميزانية تقيس مدى إنتاجية المجمتع. فكلما زادت إنتاجية المجتمع زاد دخله وارتفعت بذلك حجم ضريبته. كما أنها تحكي مجتمعاً صناعياً يُحتاج فيه المجتمع لإثراء الطبقة الوسطى لتتمكن من شراء المنتجات المُصنعة. وأما الميزانية التي يغلب على دخلها نظام الضرائب بنظام الخط المستقيم، فهي ميزانية ريعية كالدول الزراعية والسياحية، فهي تحكي مجتمعاً إقطاعياً لا يُحتاج فيه للطبقة الوسطى لشراء المنتجات. فالمنتجات الزراعية والسياحية محدودة الكم والكيف، بخلاف الإنتاج الصناعي.
ولذا فالإعانات قد تكون ضرائب في المجتمع غير الصناعي. وذلك عندما تطبق بنظام الخط المستقيم. فهي شاملة لكل المجتمع ولا تتعلق بنسبة دخله. فبهذا تزداد الاستفادة من الإعانة كلما كان المستفيد في غنى عنها، لأن الغني يستهلك من البضائع والخدمات أكثر من المحتاج. فمتى كانت ميزانية الدولة من الضريبة ثم صرفت إعانات بنظام الخط المستقيم، أصبحت إعانة الغني المتضاعفة بتضاعف ثروته عبئاً على الفقير الذي يدفع الضريبة الحكومية، أو الذي يحرم من الخدمات الحكومية بسبب هدر موارد الدولة على إعانة الأغنياء.
وفي بلادنا نعاني من مشكلة الإعانات بنظام الخط المستقيم. والحل السريع الأمثل الذي يغطي أكثر الاعتبارات المالية والاقتصادية والإمكانيات التطبيقية إلى حد كبير هو: قطع هذه الإعانات التصاعدية، وتوجه بعض أموالها مُخصصة لمحتاجيها عن طريق تصحيح جزء من نظام التقاعد والتأمينات الاجتماعية، فيُجعل إعانة بدلاً من اقتطاع.
ويكون ذلك بتصنيف المستفيدين من نظام التقاعد والتأمينات إلى شرائح تُصنّف نسبة إلى الراتب وإلى عدد أفراد العائلة. فمثلاً، الموظف ذو راتب 5000 ريال ومتزوج يعفى من 9% التي تحسم منه من التأمينات أو التقاعد. فإن كان له ولدان يُعفى من الـ9% الأخرى التي تؤخذ من صاحب العمل. فإن كان له خمسة أولاد ويعول والديه شرعاً أُعطي 18% مع الإعفاء، وعلى هذا النحو تكون الشرائح. وتعوض مصلحتي التقاعد والتأمينات عن ذلك من بعض مردودات قطع الإعانات التنازلية المطبقة اليوم. ولهذا الحل مميزات من أهمها أنه سهل وفوري التطبيق بالإمكانيات المتوفرة الحالية. فالمعلومات كلها عند مصلحتي التقاعد والتأمينات ومتوفرة بنظام آلي متطور، فما بقى إلا العمل على تصنيف الشرائح كثيرة. ومن مميزات نظام كهذا:
1. أنه لن يخلق بطالة، كما أنه سيُشجع على العمل في الوظائف الدنيا.
2. أنه لن يخلق خللاً في سلم الرواتب للهرم الوظائفي بزيادة مستحقات الأقل رتبة من الأعلى رتبة، فالزيادة سببها العائلة وليس العمل.
3. أنه يُشجع على الزواج وتكوين الأسرة.
4. إنه لن يخلق إسرافاً في الاستهلاك على عكس الإعانات الموجودة الآن، فمثلا، إعانة البنزين تخلق إسرافاً في استخدامه حتى من المحتاج، أما إذا تحولت الإعانة إلى نقد يستلمه المحتاج والمستفيد لهذا النظام الجديد فهو سيقتصد في البنزين -الذي أصبح غالياً برفع الإعانة عنه- ليستفيد من المال في أمور أخرى.
5. إن قطع الإعانات إذا جاء متزامناً مع تطبيق نظام الإعانات الجديد لن يخلق امتعاضاً شعبياً، وسيقطع المزايدة على الدولة.
6. إن هذا الحل لن يستلزم فرض ضرائب على الأغنياء ولا عبء على الميزانية الحكومية، بل على العكس فالإعانات التنازلية بهذا الحل أقل كلفة كثيراً مما تستنزفه الإعانات التنازلية المطبقة حالياً.
7. إن بعض الكلفة (ككلفة التسويق والتوصيل في حالة قطع إعانة البنزين) التي ستلحق التاجر بسبب قطع بعض الإعانات، التي قد يحول جزءاً منها إلى المستهلك، هي كلفة مُغطاة في حق من يستحقها ضمن ما سيعود عليه بحسب شريحته.
8. إنه ستكون هناك فوائض كبيرة بسبب قطع الإعانات فيوجه بعضها للضمان الاجتماعي لتعويضهم عن هذا، فيسد جانب هذا الاعتبار.
9. إن نسبة زيادة مستوى الأسعار العام الذي سيحدث بسبب رفع الإعانات لن يكون زيادة تُذكر في الأسعار لأنه سيُصاحب بتقليل في الطلب العام.
10. إن نوعية هذا الحل ستساعد في خلق مفهوم التكافل الاجتماعي في بلادنا.