د. جاسر الحربش
بطلب متكرر من مراجعي العيادة أكتب اليوم في المجال التثقيفي الصحي والغذائي. الثقافة الغذائية متوافرة في عقول السعوديين، ولكن ليس في بطونهم. نحن مصابون بأعلى النسب للأمراض الغذائية في العالم، وندري لماذا، ونستمر في الغلط: السمنة والكسل الحركي والابتعاد عن أشعة الشمس.
سوف أترك الحديث عن السمنة لآخر المقال، وأبدأ بأمراض قلة الحركة البدنية، ليس عن عجز في الحركة وإنما عن تجاهل غبي للحاجة إليها. متوسط الحاجة إلى الحركة البدنية يمتد بين خمسة وعشرة كيلومترات في اليوم، حسب السن وإمكانيات الوضع الصحي. أما الوقت فيجب أن يوفر لذلك مهما كانت الظروف. كقاعدة عامة، كل عضو في الجسم لا يُستعمل يفقد تدريجياً فاعليته وكفاءته. حتى الدماغ يضمر وينكمش عند استعماله فقط للبديهيات واليوميات التافهة لا غير.
مبدأ الكلام هنا عن الجهاز الحركي: العظام والمفاصل والعضلات والأربطة والعمود الفقري بكامله. هذا الجهاز يشكِّل الكتلة الأكبر حجماً ووزناً في الجسم، ويجب أن يُستعمل بهذه النسب. ما هو أقل من ثلاثة كيلومترات من الهرولة أو المشي السريع في اليوم لا يكفي لمنع الضمور العضلي ونشوف المفاصل وهشاشة العظام. الحركة المنزلية للسيدات داخل البيت وذهاب الرجال إلى المسجد القريب على الأقدام هذه احتيالات لا يقبلها الجسم، وسوف يحدث التيبس والضمور الحركي لا محالة. تزداد الحاجة إلى الحركة النشطة المنتظمة مع تقدُّم العمر أكثر من سن الشباب؛ بسبب الحاجات المتزايدة لوصول الغذاء والأكسجين إلى الأطراف، وتدوير المادة الزيتية في المفاصل، وإمداد العضلات بالدم، وتصريف نفايات الاحتراق الغذائي إلى المخارج والفلاتر.
ماذا عن أشعة الشمس؟ المعتاد - للأسف - أن أطباءنا يصفون فيتامين «د» كأقراص وحقن ومحاليل موهمين المراجع بأنه يعاني نقصاً في هذا الفيتامين. الحقيقة أنه من النادر وجود مواطن في البيئة المناخية والغذائية السعودية لديه هذا النقص؛ فهو متوافر بما يفيض عن الحاجة، لكن ليس في الدم، وإنما في المخازن الدهنية وتحت الجلد. هذا الفيتامين مسؤول عن تنشيط امتصاص الكالسيوم من الأمعاء إلى الدم، ونقله إلى العظام، لكنه لا يصل إلى هناك سوى بالتعرُّض المباشر لأشعة الشمس، وليس من فوق الملابس أو خلف الزجاج، وتحديداً الطيف فوق البنفسجي منها. هذه الأشعة لا تخترق الزجاج ولا الملابس على الإطلاق، وحتى لو سبحت في عرقك بملابسك تحت الشمس أو خلف الشباك الزجاجي فلن تحصل على فيتامين «د». إن كنت تريد الحصول على عظام قوية لن تفيدك الأقراص إلا مؤقتاً، ولا بد من التعرض المباشر على الجلد لأشعة الشمس لمدة ربع ساعة على الأقل. وأفضل الأوقات في الصباح.
حان الآن الدور على زيادة الوزن. للتبسيط دون استعمال الحسابات الرياضية، يكون الوزن المثالي هو الطول بالسنتيمتر ناقص العدد مائة، ويمكن التسامح مع عشرة في المائة من الناتج إلى الأعلى أو إلى الأسفل. مَنْ طوله مائة وخمسة وستون سنتيمتراً فوزنه المثالي خمسة وستون كيلوجراماً، مع التغاضي عن خمسة كيلوجرامات ارتفاعاً أو نزولاً. الأفضل النزول، ولكن المرأة السعودية ترفض ذلك لاعتبارات اجتماعية وعائلية.
مواصفات الوزن المثالي هي ما يتحمله القلب والدورة الدموية والجهاز الحركي والكبد والكلى وجهاز المناعة بدون متاعب إضافية. أي زيادة في الوزن تزيد الإجهاد الإضافي لهذه الوظائف. لكن ما هي وأين هي مشكلتنا الحقيقية مع أسباب زيادة الوزن، عدا كمية ونوع الأكل؟ عن خبرة كافية وثقة كاملة أقول: إن مشكلتنا هي في وجبة الليل. الله جعل النهار معاشاً، والليل سكناً وسباتاً، وكان الناس عبر آلاف السنين لا يأكلون بعد غروب الشمس على الإطلاق. الآن يأكلون في الليل أضعاف ما يأكلون في النهار، ثم ينامون بعد ذلك. أثناء النوم تخزن الأغذية في الجسم، ولا يُستهلك منها شيء، وما يبقى في المعدة والأمعاء دون هضم يتحول إلى فضلات وتخمة وحموضة وغازات وصراع عنيف داخل الأمعاء مع المحتويات المتخمرة والفضلات السامة والمزاج السيئ.
هكذا تصبح وجبة العشاء السبب الرئيسي في أمراض السكري والقلب والشرايين وتشحم الكبد والجلطات وانقطاع النَّفَس وترهل الجسم ورائحة الفم الكريهة.. وكل ما يخطر على البال من علل.
ما هو الحل؟ إن كان ولا بد من عشاء فليكن نباتياً بالكامل، أي أن يأكل الجائع تلك الأغذية الأشد أهمية لصحته وأهمل تناولها في النهار، وهي الفواكه والسلطات والزبادي وخبز النخالة.
من يتحول ليلاً إلى نباتي أضمن له - بحول الله - نشاطاً متجدداً وبشرة صافية وتنفساً مريحاً وبطناً ضامراً وتخلصاً كاملاً من الفضلات ومزاجاً رائقاً في الصباح ورائحة جسم مقبولة. ليت الشعب السعودي يتحول ليلاً إلى نباتي، ولو استدعى ذلك توجيهاً من مجلس الوزراء بتوصية من مجلس الشورى. لا تأكلوا - حفظكم الله - بعد غروب الشمس سوى الأغذية النباتية، ولكن اهتموا بوجبة الصباح.