فوزية الجار الله
ثمة حكاية طريفة ربما لايعرفها الكثيرون من جيل هذا الزمن، جيل الثقافة الإلكترونية والجوال والسناب شات، الحكاية تقول بأن رجلاً من الحضر كان مسافراً في البادية ومر في سفره بحي من أحياء العرب، فاستقبلوه وأكرموه وناشدوه بأن يبق لديهم ليكون إماماً لهم ولأولادهم معلماً، حيث كان البدو ينظرون إلى أي شخص من سكان المدن أو الحضر على أنه عالم وقارئ وعارف بجميع الأمور، لهذا فقد أغروا الحضري أن يبقى لديهم، وعرضوا عليه مكافآت سخية وصار يصلي بكبارهم ويعلم صغارهم ويعقد لهم الأنكحة ويفتي في أي أمر من أمور الدين بجرأة فائقة وبديهة حاضرة وكان لسرعة بداهته وكلماته الجميلة تأثير كبير عليهم فصاروا يصدقون كل مايقول ويعجبهم رأيه وعقله ومنطقه.
استمروا على هذا الحال فترة طويلة من الزمن وهو معزز مكرم بينهم.. وذات يوم مر بهم حضري آخر فأراد أن يستريح لديهم ويتبادل معهم البيع والشراء. ولما جاء وقت الصلاة تقدم الإمام وبدأ الصلاة كعادته وبعد سورة الفاتحة شرع يقرأ سورة ليست من القرآن إنما من تأليفه مستغلاً جهل هؤلاء البدو الذين وضعوا ثقتهم فيه.. السورة المؤلفة تقول ( أطعموا مطوّعكم من لحم الدجاج وزوجوه البنت المغناج، تدخلوا الجنة أفواجاً أفواج.. ) فتنحنح الحضري علامة الاستنكار وكررها ليعلم الإمام أنه قد اكتشف أمره.. في الركعة الثانية قرأ بعد الفاتحة سورة أيضاً من تأليفه رداً على الحضري ( اسكتوا أيها المتنحنحون، فإن الشرط أربعون، لنا عشرون ولكم عشرون ) فسكت الحضري طمعاً بالغنيمة القادمة، حيث سيقتسم معه مناصفة مايأتيه من هؤلاء البدو الغارقين في الجهل.
هذه الحكاية حكاية رمزية للتواطؤ على الفساد والاتفاق عليه، وهذا ما يحدث في الواقع، أسوأ وأخطر أنواع الفساد تلك المتفق عليها بين مجموعة من الأفراد يهمهم الاستفادة من مواقعهم الوظيفية قدر الإمكان. قد يكون هذا الإمام وزيراً وقد يكون رئيساً لدولة وهذه السور القرآنية قد تكون رمزاً لخطاباته التي يلقيها عليهم مابين يوم وآخر وقد تكون حسب الوقت الحاضر آلته الإعلامية بأكملها!!
ويستمر الفساد طالما وجد البشر المختلفون في طبائعم وسلوكياتهم ومادام ثمة مصالح متعارضة، كلهم سيبحث عن الصف الأول وكلهم سيبحث عن الحصة الأكبر، لكن السبيل الأكثر قوة وفعالية في الحد من الفساد وتحجيمه هو إقرار الأنظمة والقوانين الواضحة وتطبيقها بعدالة على الجميع بلا تمييز، إضافة إلى الشفافية في هذه الأنظمة على كافة الأصعدة ابتداء من أعلى الهرم الإداري إلى أدناه مستوياته، هنا يمكننا ضمان مستوى عال من النماء والتطور لأوطاننا العربية بشكل عام ولوطننا العزيز بشكل خاص، قلت وقال سواي الكثير فهل ثمة صدى لأحاديثنا، الله المستعان.