فوزية الجار الله
طرح أحد الزملاء الأكاديميين الجادين مؤخراً عبر التويتر سؤالاً جميلاً يثير الكثير من الأفكار:
عند اقتناء الكتاب هل تهتم أكثر باسم المؤلف أم بعنوان الكتاب؟
يتفاوت القراء في اختياراتهم للكتب ما بين الأمرين.. عنوان الكتاب يبدو محرضاً لكنه يبدو أحياناً مضللاً وخادعاً.. كذلك اسم الكاتب كلما كان مضيئاً متميزاً في عالم الثقافة والأدب كان ذلك محرضاً مشجعاً لاقتناء كتاب.. الكاتب الجيد هو الذي يتقن اختيار عنوان مناسب لكتابه بعيداً عن التضليل والخداع..
بعض عناوين الكتب تبدو جميلة محرّضة للخيال، على سبيل المثال كتاب «أريد ساقاً أقف عليها» حالما تقع عيناك على هذه العبارة قد لا يتناهى إلى ذهنك أنها الساق البشرية التي هي عضو هام في جسد الإنسان وإنما قد يتبادر إلى ذهنك ذلك المعنى الأبعد الأعمق فالساق تمثّل الدعم والسند.. قد تكون هذه الساق شرفة عالية توفر لك إطلالة مناسبة على هذا العالم لأجل مزيد من شمولية الرؤية لكل أنحائه وقد تكون طريقاً أخضر ممهداً يأخذك إلى أجمل ما في المدينة، نهر أو بحر أو ما بينهما، وقد تكون تلك الساق إنساناً عظيماً يرافقك فيمنحك الراحة والأمان والسعادة والقوة لمواصلة المسير وسط هذا العالم الصاخب المتناقض بلا ملل أو كلل.
بعض الكتب قد لا تحمل عنواناً جذاباً لكنها تحمل بين دفتيها فكراً عظيماً ومعلومات قيمة، لكن غالباً الكاتب الجيد هو ذاك الذي يستطيع الجمع بين الاثنين العنوان اللافت للانتباه والمحتوى القيم داخل الكتاب.
في خاتمة الاستفتاء يرى الدكتور حسن النعمي وهو صاحب السؤال: بأن ( من يفضّل اقتناء كتاب لأجل اسم المؤلف على حساب عنوان الكتاب، أنه متأثر بالشخصية لا طامع في الفكر، والعكس صحيح).
وفي اعتقادي أيضاً أن اختيار الكتاب فقط لأجل اسم المؤلّف لا يعتبر عيباً إطلاقاً فبعض الكتَّاب وربما الشعراء لا تستطيع غض الطرف عن إبداعهم؛ فهم متجدّدون متألقون في كل مرة يطرحون فيها عملاً جميلاً مفاجئاً، على سبيل المثال محمود درويش شاعر عظيم وكاتب متمكن من لغته وأدواته إن كنت من متابعيه أو معجبيه لا تستطيع التغاضي عن كل كتاب يُطرح من قبله في الأسواق ولو كتب الله له عمراً حتى الآن لكان لا يزال في قمة تألقه وعطائه فهو شاعر وكاتب لا يكل ولا يمل ولا تتثاءب كلماته، والسبب يتضح هنا في حديث أحد أصدقائه عنه: حيث يقول عن ديوانه (أحد عشر كوكباً) الذي أرّخ فيه لمرحلة العرب في الأندلس وشبَّه فيه الرئيس عرفات بأبي عبدالله الصغير، بأن هذا الديوان يعتبر من أجمل دواوينه وقد استغرق تأليف هذه المرحلة الشعرية (على طريقة الإلياذة والأوديسة) أكثر من عامين اطلع خلالهما على عشرات الكتب عن حضارة العرب في الأندلس وكيفية نشوئها وانهيارها. «وللحديث بقية».