فوزية الجار الله
يحدث كثيراً أن تبدي ملاحظة على أحد الآباء فيما يتعلق بسلوك أحد أبنائه فيجيبك بمنتهى البساطة بأن هذا السلوك لا يتعلق بابنه أو ابنته فقط، وإنما بكثير من أبناء جيله، وربما يشمل حديثه الجيل بأكمله. وربما تسأل أحد السياسيين الكبار عن مشكلة ما في بلاده فيجيبك أيضاً بمنتهى البساطة بأن ذلك لا يخص بلاده فقط، وإنما هو أمر تعانيه بلدان العالم كافة. وكأنما في الحالتين ثمة محاولة لتمييع القضية، وللتهرب من المسؤولية، وتسجيل سبب المشكلة إلى المجهول، من خلال تعميمها.. هذا الاتجاه لا أتمنى إطلاقاً أن يكون اتجاهاً مقبولاً حين نتحدث عن الفساد في بلادنا بأن نقول «إن الفساد مشكلة عالمية، هي في حالة انتشار وتفشٍّ في أرجاء العالم». أقول ذلك بمناسبة حلول اليوم العالمي للاحتفال بمكافحة الفساد، الذي وافق هذا الشهر (9 ديسمبر).
نعم، الفساد ظاهرة عالمية، لكن علينا ألا ننسى أننا بلاد الحرمين، ومهبط الوحي، ومنبع الإسلام الذي أرسى ذلك المبدأ العظيم «من أين لك هذا؟»، الذي يحث على البحث والاستقصاء عن أسباب الثروات المفاجئة لبعض الأفراد الذين أنيط بهم تقديم خدمات للوطن، ثم مع مرور الزمن لم نرَ منهم ما يشير إلى تقديم خدمات فعّالة واضحة، لكن رأينا تضخماً هائلاً في ثرواتهم.
هناك الكثير من الدراسات والأبحاث التي تم إنجازها فيما يتعلق بالفساد، منها تلك الدراسة التي قُدمت في الملتقى الوطني حول حوكمة الشركات، بوصفها آلية للحد من الفساد المالي والإداري، قام بإعدادها أستاذان من جامعة قسنطينة عام 2012م.
تحدثت الدراسة عن تطور ظاهرة الفساد عبر التاريخ (إذ تغاضت ملكة إنجلترا الملكة إليزابيث 1558 - 1603م عن تفشي ابتزاز الأموال في الوظائف الرسمية كعذر لها عن عدم زيادة الرواتب). ومن صور الفساد في ذلك الوقت أن أمين صندوق الحرب كان يحصل على ستة عشر ألف جنيه سنوياً علاوة على راتبه؛ إذ يحافظ على أسماء الجنود الموتى في قوائم الجيش، ويضع مخصصاتهم في جيبه، ويبيع الملابس المخصصة لهم!
هناك ما يسمى بمؤشر إدراك الفساد، ويتراوح بين الصفر والعشرة.
صفر تعني نظيف جداً، وعشرة تعني فاسد جداً!
للفساد اتجاهات وأشكال متعددة، وهو غالباً يحدث من تحت الطاولة، وفي الأروقة الخلفية بسرية تامة بعيداً عن الأعين، وهو سبب رئيسي للتخلف الاقتصادي والاجتماعي في أي بلاد يحدث فيها..
لذا لا بد من مكافحته، ووضع حد له. وتذكر الدراسة تجارب لبعض الدول في ذلك، منها تجربة الصين التي قامت بما يأتي:
- وضع عقوبة شديدة لمواجهة الفساد لدرجة وصلت إلى الحكم بالإعدام على بعض المرتشين.
- إلى جانب العقوبة قامت الدولة بتوفير الحوافز التي تدفع الأفراد للابتعاد عن الرشوة والفساد، من خلال رفع دخول المواطنين، وتحسين مستوى المعيشة.
يبدو الحديث في هذا السياق شجياً ومثيراً وصادماً؛ ولا بد له من بقية.