تركي بن إبراهيم الماضي
كلما سقط العربي في حفرة ظن أن هذه الحفرة الأخيرة التي سيسقط فيها، وأن طريقه بعدها ممهد. لكنه يغفل عن أن ظهره مكشوف، ومن يحفر الحفرة قد يكون أخا، أو من يظنه صديقاً، لا عدواً ظاهراً.
وكلما التأم جرح نزف جرح آخر. وظن العربي أن هذا قمة مأساته، وأنه لن يحصل أكثر مما حصل. ولن تحترق أراضي أكثر مما احترق. وأن الذبح لن يصل بأعداد ضحاياه أكثر مما وصل، وأن الخراب لن يمتد ليحصد الزرع والولد والبنيان.
مر القرن العشرون على ديار العرب حاملا معه من الهموم ما يغير خارطتهم كاملة لأجيال عدة. كانت «فلسطين» حجر الزاوية في كل حديث، لكنها شيئا فشيئاً تتقلص مساحة الهم، لتحل محلها مأساة أخرى. استمر بقاء فلسطين ثابتاً في الصورة، لكن تزاحمها في كل فترة محنة أو حدث عصيب تتعرض له عاصمة عربية، فتفرض نفسها كجرح جديد في مشهد الأحزان العربي.
كان سقوط بغداد الأول في آخر حكم العصر العباسي مخزيا. وظن العربي أن عصر الانحطاط لن يعود مرة أخرى لأحفاده. أليس التاريخ لا يكرر نفسه ؟ نعم، لكن جينات الخيبة قد تورث، وتمتد لأجيال، لتعيد كتابة الانحطاط بمفاهيم قد لا يتخيلها الإنسان السوي.
غادر القرن العشرون بلاد العرب، وظن من ظن أن العرب قد خرجوا من التاريخ. لكن لا أحد يخرج من التاريخ طوعا أو كرها. حتى الشعب المنهزم لا يخرج من التاريخ. وظن العربي أن القرن الذي أقبل لن يكون أسوأ مما مضى. وقد كان أسوأ، ولا يكاد أن يصدق حتى في رواية خيالية. تساقطت العواصم الواحدة تلو الأخرى في ظرف عام، تحت مظلة ما عرف بـ «الربيع العربي». ودخلت عواصم عربية في حرب « الطوائف و»الجماعات» و « الأحزاب». وتذكّر من تذكّر في هذا الوضع المضطرب، قبل عشر سنوات، هنالك من دعا لقيام شرق أوسط جديد، تقسم فيه البلاد حسب الأديان والمذاهب والأعراق، لكنه لن يكون مقبولا تحت هذه الشروط إلا بعد أن تنتشر «الفوضى الخلاقة» في جميع أرجاء المنطقة كلها.
لم يكن لأحد أن يصدق. ولأننا أمة لا تتفكر، فقد فضلنا الارتهان إلى عاطفتنا وأنه لا يمكن أن تتحول خريطة التقسيم للمنطقة بهذا الشكل لكن خطط «سايكس - بيكو» في نسختها المحسنة تلوح في الأفق، بمخططات تقسيم جديدة. فيما العربي يتنفس تحت الماء !