عبد الله الصالح الرشيد
قال تعالى في محكم تنزيله {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً} وهو القائل جل جلاله {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.
في مساء السبت الموافق 9-2-1437هـ ودع دنيانا الفانية وانتقل بمشيئة الله إلى دار النعيم والخلود أحد أبناء الوطن المخلصين الأوفياء وأحد وجوه السماحة والرضا وسليل الشهامة والمروءة، ذلكم هو العقيد بحري ناصر بن محمد البتال.. نعم رحل عن هذه الدنيا بعد أن أمضى سنين عمره الذي ناهز الخامسة والستين في خدمة دينه ووطنه ومليكه في أهم ميدان - البحرية الملكية السعودية - حيث تأهل في هذا المجال في وقت مبكر وأمضى فيه سنين عمره الدراسي والعملي حتى أقعده المرض وعانى من ذلك وتقاعد في سنواته الأخيرة رحمه الله.
وهنا آتي على إعطاء لمحات موجزة عن مشواره الحافل والمحطات التي مر عليها في حياته الأسرية والعلمية والعملية منذ نشأته وحتى رحيله..
1- لقد نشأ فقيدنا الغالي وعاش في بواكير حياته في كنف والده الشيخ الجليل محمد بن بتال الجميلي رحمه الله، أحد أعيان ووجهاء محافظة الرس، وتربى على يديه تربية صالحة قوامها ومرتكزها الأخلاق الفاضلة وما يتفرع عنها من خصال حميدة، حسن التعامل والإخلاص في العمل وبر الوالدين وصلة الأقارب والعطف على الفقراء والمساكين والوفاء للأصدقاء والزملاء وخدمة المجتمع، مما جعل هذه التربية الصالحة نبراس حياته.
2- توفيت والدته رحمها الله وهو في بواكير طفولته ولم يفقد الحنان والعطف حيث تزوج والده من امرأة فاضلة من أسرة كريمة فاحتضنته بعين العناية والرعاية بجانب اخوانه من أبيه فيما بعد وقد عاش طوال حياته يلهج بشكرها وذكرها أطال الله في عمرها.
3- كان رحمه الله من أوائل الشباب المتفوقين في دراستهم الثانوية الذين اتيحت لهم الفرصة وفق مواهبهم للدراسة بالخارج وكان من طليعة المبتعثين قبل أربعين عاماً إلى أرقى الجامعات والأكاديميات التي تعنى بسلاح وشؤون البحرية حتى استكمل دراسته وعاد بدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى وتسنم عمله ضابطاً بحرياً مع كوكبة من زملائه الخريجين السعوديين.
4- بعد عودته من البعثة وتخرجه اقترن بزوجة فاضلة من إحدى الأسر الكريمة هي أسرة العيبان المعروفة ابنة الشيخ محمد بن عيبان رحمه الله وكيل الحرس الوطني بالمنطقة الغربية في تلك الحقبة ووجد في كنف هذه الزوجة الصالحة الوفاء والمساندة له في جميع متطلبات الحياة، الأمر الذي شجعه للمزيد من التحصيل في مجال التخصص الذي أحبه وأبدع فيه بما يتعلق بالبحرية وعلومها، وسافر مع زوجته إلى الولايات المتحدة الأمريكية واستكمل دراساته العليا في أفضل وأرقى الجامعات، ومن ثم عاد إلى عمله في البحرية الملكية السعودية حتى آخر حياته الوظيفية.
5- في أخريات أيامه وهو على رأس العمل فوجئ بمرض عانى منه كثيراً ولعدة سنوات الأمر الذي اضطره إلى طلب التقاعد لمعاودة الأطباء، وظل في منزله صابراً محتسباً يناجي الخالق العظيم طالباً منه العفو والمغفرة وحسن الختام وقد فتح قلبه ومنزله للمحبين من معارفه وأصدقائه وزملائه الأوفياء حتى حان رحيله فانتقلت روحه الطاهرة إلى بارئها.
ولا نملك في الختام إلا أن نرفع أيدينا إلى السماء ونقول اللهم اغفر له وارحمه واكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس والهم أهله وذويه وكافة محبيه وعارفي فضله الصبر والاحتساب.
وفي نهاية هذه السطور التي نودع فيها فقيدنا كأني بلسان حاله يقول:
إذا ما مات من ترب فراشي
وبت مجاور الرب الكريم
فهنوني أصيحابي وقولوا
لك البشرى قدمت إلى رحيم.