د. أحمد الفراج
يعتبر الرئيس الأمريكي الثالث، توماس جيفرسون (1801- 1809) أحد الآباء المؤسسسين للولايات المتحدة، ويزيد عليهم بأنه مفكر من طراز رفيع، وله كتابات في السياسة والإقتصاد والفكر، لا تزال مرجعا للباحثين حتى اليوم، كما أن له بصمة بارزة في كتابة الدستور الأمريكي، وهو دستور فريد ومتميز، ولا يزال خالدا حتى اليوم، مع أنه كتب قبل أكثر من قرنين، ومع أن الولايات المتحدة قامت على قيم الحرية والعدل والمساواة، إلا أن جيفرسون كان نتاج زمنه، فقد كان ثريا، يملك مساحات شاسعة من الأرض، اذ كانت الزراعة حينها هي علامة الثراء، وهنا نحن لا نتحدث عن مزارع عادية، بل عن اقطاعيات كبيرة جدا، يعمل فيها مئات من العبيد، والذين كان يتم بيعهم وشراءهم مثل السلع الأخرى، ومن يطلع على الصحف الأمريكية في ذلك الزمن، يقرأ الإعلانات عن الرغبة في بيع أو شراء مملوك أو مملوكة، مع ذكر بعض الأوصاف التي تتميز بها السلعة، تماما كما نقرأ عن اعلانات بيع السيارات حالياً.
لا أشك أن مفكراً، وسياسياً عظيماً بحجم توماس جيفرسون كان يعاني من الإنفصام في التفكير، وتأنيب الضمير حينها، فهو أحد المؤسسين لدولة القانون، والديمقراطية، والحرية، والعدالة، ومع ذلك يعلم أنه ينتهك كل ذلك، عن طريق امتلاك، وبيع وشراء البشر، ولكنه كان، كسياسي طموح ، يجاري قوانين عصره، فالمطالبة بتحرير السود في ذلك الوقت لم تكن مطلباً شعبياً، بل كانت تتم محاربة كل من يفعل ذلك، وأضف لذلك الطبيعة البشرية الجشعة، وحب المال والنفوذ، وهي الأشياء التي يقع الإنسان بسببها بالتناقض، ولهذا فقد كان توماس جيفرسون أحد المؤسسين لأعظم الكيانات الديمقراطية، وفي ذات الوقت، كان هو ورفاقه الساسة، يمارسون دور التجار الجشعين، ومع كل ذلك فلم يقاوم الرئيس توماس جيفرسون خفقات قلبه، فقد أحب فتاة من طبقة العبيد العاملين لديه، وهي السمراء الفائقة الجمال، سارا همنقز، والتي كانت تعيش في اقطاعيته كمملوكة، ولكنها، في حقيقة الأمر، كانت الملكة التي استحوذت على كيانه ومشاعره، حتى ليقال بأنه كان هو المملوك، وهي السيدة التي لا يرد لها طلبا!!.
كشفت وئائق التاريخ أن الرئيس توماس جيفرسون كان على علاقة حب مع المملوكة سارا، وأنجب منها ستة أبناء، ومع أن الشكوك كانت تحوم حول ذلك لمدة طويلة جدا، إلا أن هذا السر بقي حبيس الصدور، حتى زمن متأخر، أي بعد أن تم إقرار قانون الحقوق المدنية، وألغيت الطبقية في المجتمع الأمريكي (بعد حوالي قرن ونصف من وفاة جيفرسون)، وحينها تهامس المؤرخون بالسر الدفين، ثم جاءت تقنية «الدي إن إي»، وأثبتته علميا، وبالأدلة القاطعة، أي أن بعض أبناء أحد أشهر رؤساء أمريكا، وأحد مؤسسيها، هم من الطبقة التي كانت مستعبدة!!، وهنا نتوقف طويلا عند خفايا النفس الإنسانية، والتي تفضح من خلالها قلوب البشر ما تخفيه ألسنتهم وسلوكياتهم، فمن يصدق أن الرئيس توماس جيفرسون كان يحكم بلدا تنص قوانينه على أن العرق الأسود خلق لخدمة الرجل الأبيض، وبالتالي يحق له امتلاكه وبيعه وشراؤه، وحدث هذا في ذات الوقت الذي كان أبناء جيفرسون، ذاته، من ذات العرق الأسود، فتفكر أيها القارئ الكريم!.