د. عبدالواحد الحميد
الجدل الاجتماعي الذي أعقب إعلان نتائج انتخابات المجالس البلدية في المملكة هو أحد الثمار الإيجابية لهذه الانتخابات. فالانتخابات، كأسلوب لتنظيم ممارسة الشأن العام، هي أسلوب حضاري متفوق بصرف النظر عمَّن يفوز بالانتخابات طالما أنها تتم في ظروف ملائمة من حيث النزاهة والحيادية، ولا يقلل من كفاءة هذا الأسلوب ورشده اختلافُ وجهات نظر الناس حول كفاءة وقدرات المرشحين الفائزين في الانتخابات.
صحيح أن هذا الجدل الاجتماعي كان في بعض الأحيان صاخباً ومتشنجاً، ولكن هذا يحدث حتى في المجتمعات التي تمرست طويلاً في التجارب الانتخابية وليس عندنا فقط.
إحدى النتائج الإيجابية هي أن الناس في جدلهم المحتدم كانوا يمارسون النقد الذاتي. فالذين لم تعجبهم نتائج الانتخابات لاموا أنفسهم لعدم المشاركة في التصويت أو الترشح أو لعدم تنظيم مشاركتهم بحشد أصوات من يميلون إلى رؤاهم تجاه القضايا العامة.
هذا التمرين على التعاطي بإيجابية وفاعلية مع الشأن العام والقضايا التي تمس حياة الناس في المجتمع سوف يفرز في النهاية مستويات متقدمة من الوعي. فإذا كان من الطبيعي أن تختلف وجهات النظر حول قضايا المجتمع والحياة العامة فإن من الطبيعي أيضا أن يحتكم الناس إلى صندوق الانتخابات لمعرفة رأي أغلبية أفراد المجتمع وتَبَنْيه. أما من لا تعجبه النتائج التي يفرزها صندوق الانتخابات التي تتم في بيئة نزيهة ومحايدة حين لا تأتي تلك النتائج كما يرغب فعليه أن يقبل بذلك لأن أغلبية أفراد المجتمع المصوتين يختلفون معه في وجهة النظر أو عليه أن يلوم نفسه إذا كان قد تقاعس عن المشاركة في الانتخابات أو كانت مشاركته عشوائية وغير منظمة.
بعض الذين شاركوا في هذا الجدل رأوا أن نتائج الانتخابات أوصلت مرشحين إلى عضوية المجالس البلدية بالرغم من عدم امتلاكهم مؤهلات علمية عالية أو خبرات إدارية واسعة وخسارة مرشحين آخرين في الانتخابات بالرغم من أنهم يمتلكون هذه المؤهلات والخبرات. لكن هذه المفارقة يمكن فهمها حين نتذكر أن الناخبين تهمهم مصالحهم ومن يتوسمون فيه تحقيق تلك المصالح ولا تهمهم الشهادات العلمية البراقة التي يعلقها بعض المرشحين في مكاتبهم.
ماذا يهم الناس من آراء وتنظيرات مرشحٍ يملك أعلى المؤهلات العلمية مقابل حيوية وفاعلية مرشح آخر لا يمتلكها إذا كان الأول يعيش في برج عاجي وغير متماس مع الهموم المعيشية اليومية للناس بينما الثاني منغمس في معترك هذه الهموم ويعرف كيف يتعامل معها بواقعية وبذكاء اجتماعي صهرته التجربة الشخصية والمعاناة اليومية؟
أما الجدل حول بروز بعض التكتلات القائمة على القبلية أو المناطقية أو غير ذلك، فهذا طبيعي وجزء من مظاهر اجتماعية موجودة سواء جرت انتخابات او لم تَجْر ولا علاج لها سوى بث الوعي ومحاربة أسباب وجود هذه المظاهر في المقام الأول.
من المؤكد أن هذه الانتخابات قد أفرزت نتائج لا تعجب البعض، ومن المؤكد أن الناس يأملون أن يكون للمجالس البلدية صلاحيات أكبر مما أعطي لها، لكن المؤكد أيضا أن هذه الانتخابات هي تمرينٌ جيد لممارسة حضارية سوف تتبلور مع الأيام وترتقي بالمجتمع إلى مستويات أفضل إن شاء الله وأن الجدل الاجتماعي الذي أفرزته الانتخابات هو ظاهرة صحية.