د. عبدالواحد الحميد
يتعلق الغريق بقشة طلباً للنجاة، ويبحث المريض اليائس عن أي وصفة دواء حتى لو كانت من تلفيق المشعوذين والدجالين. وقد تكاثرت في زمننا الدكاكين والمواقع والعناوين التي تبيع الوهم للناس رغم تقدم الطب وانتشار الوعي! والغريب أن بعض ضحايا الدجالين والمشعوذين هم من المتعلمين تعليماً عالياً، وليسوا من العوام!!
بعض أنواع الطب الشعبي مُجرَّب، وهو نتاج خبرة بشرية موغلة في القدم، ولا يخلو من فائدة، بل إن فائدته ثابتة في بعض الحالات بشرط أن يسلم من الغش والاستغلال وسوء الاستخدام، وبشرط أن يكون مُقنناً، وأن تكون مكونات كل دواء معروفة.. ولكن من يضمن ذلك؟ فحتى مع الجهود التي يبذلها المركز الوطني للطب البديل والتكميلي هناك مجال واسع للغش والاستغلال.
يقول الدكتور جابر بن سالم القحطاني، وهو من أهل الاختصاص في هذا المجال: إن ثمانين في المائة من الأدوية العشبية التي تُباع لدى العطارين المحليين لا تصلح للاستخدام الآدمي!! وهذا مذهل؛ لأن العشبيات التي تباع لدى العطارين ربما تكون أفضل حالاً من تلك التي تُتداول بين بعض الناس، وتأتي من مصادر مجهولة من بلدان مثل إندونيسيا والهند وبعض الدول الآسيوية! وقد رأيت في سريلانكا مكاناً تباع فيه أدوية لعلاج كل ما يخطر على البال من أمراض، وتكاد تكون مُخصصة للخليجيين الذين يُصَدِّقون ادعاءات بائعين رثاث الملابس وشديدي الهزال، ويوحي منظرهم بأنهم مصابون بكل أنواع الأمراض، بما يُذَكِّر بقول الشاعر: (طبيبٌ يداوي الناس وهو عليلُ)!!
أما أدعياء الطب الذين يستغلون الدين، أو يتظاهرون بامتلاك قدرات خارقة، أو يوهمون المرضى بأنهم يستخدمون الجن والعفاريت والسحر والشعوذة، فهم يستغلون الأشخاص المصابين بأمراض نفسية وعصبية، توصل العلمُ الحديث إلى تشخيصها ومعرفة ما تُحْدِثه من أعراض واختلالات في الشعور وفي السلوك، وهي لا علاقة لها بالجن والعفاريت، وإنما علاجها وطرق التعامل معها يعرفها المتخصصون في الأمراض النفسية والعصبية.
هذه المظاهر هي دلالة تخلف حتى لو مارسها وصدق بها متعلمون. ومن المؤسف أنها ما زالت موجودة في مجتمعنا الذي قطع شوطاً كبيراً في القضاء على الأمية ونشر التعليم. وإذا كان من الصعب القضاء على هذه المظاهر في الوقت الحاضر فإن الحد الأدنى هو تنظيف محال العطارة من الأدوية العشبية التي قال الدكتور القحطاني إنها غير صالحة للاستعمال الآدمي، وكذلك ملاحقة وإيقاف الدجالين الذين يستغلون الناس بادعاء قدرات خارقة، أو الذين يوظفون الدين للاحتيال والتكسب.
هذا دور المركز الوطني للطب البديل والتكميلي، ودور جهات أخرى ذات علاقة بالموضوع، وأبرزها وزارة الصحة التي تَقْصُر خدماتها عن الوصول لكل المرضى المحتاجين الذين يضطرون للبحث عن الشفاء حتى لو طرقوا أبواب الدجالين والمشعوذين وبائعي الأدوية العشبية المغشوشة.