فهد عبدالله العجلان
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة التي كان الفكر وقودًا مهمًا في إذكاء جذوتها، بدأت القومية تطل برأسها في أكثر من بلد، كما تحوّلت الكيانات العملاقة التي استبشر مؤسسوها أنها ستكون النواة لهوية جامعة تذوب فيها الفوارق أهم عناصر البحث والتشبث بالقوميات القطرية لكل بلد، وفي أوروبا كانت هذه النزعة أكثر حضورًا منذ تأسيس اتحادها حتى تجلت في عام 2008 بتأسيس منظمة تضم عددًا من الأحزاب اليمينية المتطرفة من عدد من الدول الأوروبية تعلن صراحة حربها ومواجهتها للأسلمة كما تراها من وجهة نظرها!
اليمينيون المتطرفون استثمروا مناخ الوحدة الأوروبية وزخمها لتعزيز الانشقاق وبذرته في المجتمعات ليكون صوتهم أعلى وأمضى، وأوروبا اليوم وهي تعاني أزمة اقتصادية عميقة تواجه أشد أشكالهم قسوة ونازية وتشويهًا للإرث الحضاري الأوروبي الذي قدم للعالم نماذج الوعي بالثقافات واستيعابها والتفاعل مع محيطها بما يخدم الإنسانية جمعاء، كما قدمتها الحضارات الأخرى وعلى رأسها الحضارة الإسلامية، باريس على سبيل المثال وهي عاصمة النور وشعلة الحريات والعدالة في أوروبا يشوه وجهها اليوم بشكل أكثر وضوحًا حزب الجبهة الوطنية الذي يتزعمه الوجه النسائي للهتلرية والنازية الجديدة في أوروبا مارين لوبين، فربيبة الكراهية والعداء لكل ما هو مختلف رأت في أحداث باريس الإجرامية فرصة لإعادة بناء تحالفات فرنسا لمواجهة الإرهاب معتبرة أن إيران حليف مناسب لمواجهة «داعش» وليس بمستغرب ذلك حين نعلم حجم العنصرية المقيتة التي تعامل بها إيران الأعراق المختلفة داخلها، فالعنصريون نسبهم التطرف، المثير للسخرية في الأمر أن «هتلر الجديد» التي تقدم نفسها باعتبارها صاحبة مواقف لمصلحة بلادها والعالم هي ابنة وتلميذة الرجل الذي أسس الحزب وقال ردًا على هجمات باريس: «يجب أن تقطع رؤوس الإرهابيين!» وهو من لا تزال دماء الجزائريين رطبة في يديه... وبالرغم أن لا أحد يملك مثقال ذرة من الإنسانية يمكن له أن يدافع عن الإرهابيين القتلة، إلا أن انتشار ثقافة قطع الرؤوس في الخطاب السياسي واستغلال الأحداث الإرهابية لتعزيز الصدام والشقاق الحضاري مؤشر خطير يهدد الإنسانية ويكشف خطورة من يدفعون العالم إلى المزيد من الدمار!
مارين لوبين وجه العنصرية النازية الجديدة التي قتلت وأحرقت سابقتها اليهود فوجدوا في العالم العربي الملاذ والأمن والتعايش وهي تعد اليوم تبث المزيد من الكراهية والفرقة وقطع الجسور بين الأمم ما يخشى أن يمهد لمذبحة عظيمة وهولوكست جديد ضد العرب والمسلمين وكل ما هو مختلف، لتعزيز رؤية استعلائية ضيقة تخالف كل نواميس التاريخ، الشعب الفرنسي الذي قدم أسلافه مشاعل التنوير للعالم حرم حزب لوبين من الفوز بأي مقعد في الانتخابات الجهوية لكنها قالت في كلمتها بعد الخسارة إن أحدًا لن يستطيع إيقافنا... فهل يجيبها الشعب الفرنسي في الانتخابات الرئاسية كما أجابها من قبل!